147
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

في أحوالِهِم عَلى مُشارَكَتِهِم لَهُم فِي الخَلقِ وَالتَّركيبِ، مُؤَيَّدينَ مِن عِندِ الحَكيمِ العَليمِ، بِالحِكمَةِ وَالدَّلائِلِ وَالبَراهينِ وَالشَّواهِدِ: مِن إحياءِ المَوتى، وإبراءِ الأَكمَهِ وَالأَبرَصِ، فَلا تَخلُو الأَرضُ مِن حُجَّةٍ يَكونُ مَعَهُ عِلمٌ يَدُلُّ عَلى صِدقِ مَقالِ الرَّسولِ ووُجوبِ عَدالَتِهِ.
ثُمَّ قالَ عليه‏السلام بَعدَ ذلِكَ ـ: نَحنُ نَزعُمُ أنَّ الأَرضَ لا تَخلو مِن حُجَّةٍ، ولا تَكونُ الحُجَّةُ إلاّ مِن عَقِبِ الأَنبِياءِ، وما بَعَثَ اللّه‏ُ نَبِيّا قَطُّ مِن غَيرِ نَسلِ الأَنبِياءِ، وذلِكَ أنَّ اللّه‏َ شَرَعَ لِبَني آدَمَ طَريقا مُنيرا، وأخرَجَ مِن آدَمَ نَسلاً طاهِرا طَيِّبا، أخرَجَ مِنهُ الأَنبِياءَ وَالرُّسُلَ، هُم صَفوَةُ اللّه‏ِ، وخُلَّصُ الجَوهَرِ، طُهِّروا فِي الأَصلابِ، وحُفِظوا فِي الأَرحامِ، لَم يُصِبهُم سِفاحُ الجاهِلِيَّةِ، ولا شابَ أنسابُهُم ؛ لِأَنَّ اللّه‏َ عَزَّوجَلَّ جَعَلَهُم في مَوضِعٍ لا يَكونُ أعلى دَرَجَةً وشَرَفا مِنهُ، فَمَن كانَ خازِنَ عِلمِ اللّه‏ِ، وأمينَ غَيبِهِ ومُستَودَعَ سِرِّهِ، وحُجَّتَهُ عَلى خَلقِهِ، وتَرجُمانَهُ ولِسانَهُ، لا يَكونُ إلاّ بِهذِهِ الصِّفَةِ، فَالحُجَّةُ لا تَكونُ إلاّ مِن نَسلِهِم، يَقومُ مَقامَ النَّبِيِّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فِي الخَلقِ بِالعِلمِ الَّذي عِندَهُ ووَرِثَهُ عَنِ الرَّسولِ، إن جَحَدَهُ النّاسُ سَكَتَ، وكانَ بَقاءُ ما عَلَيهِ النّاسُ قَليلاً مِمّا في أيديهِم مِن عِلمِ الرَّسولِ عَلَى اختِلافٍ مِنهُم فيهِ، قَد أقاموا بَينَهُمُ الرَّأيَ وَالقِياسَ، وإنَّهُم إن أقَرّوا بِهِ وأطاعوهُ وأخَذوا عَنهُ، ظَهَرَ العَدلُ وذَهَبَ الاِختِلافُ وَالتَّشاجُرُ وَاستَوَى الأَمرُ وأبانَ الدّينُ، وغَلَبَ عَلَى الشَّكِّ اليَقينُ، ولا يَكادُ أن يُقِرَّ النّاسُ بِهِ، ولا يُطيعوا لَهُ أو يَحفَظوا لَهُ بَعدَ فَقدِ الرَّسولِ، وما مَضى رَسولٌ ولا نَبِيٌّ قَطُّ إلاّ وقَد تَختَلِفُ اُمَّتُهُ مِن


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
146

۱۴۹.الاحتجاج: ومِن سُؤالِ الزِّنديقِ۱ الَّذي سَأَلَ أبا عَبدِاللّه‏ِ عليه‏السلام عَن مَسائِلَ كَثيرَةٍ أن قالَ: كَيفَ يَعبُدُ اللّه‏َ الخَلقُ ولَم يَرَوهُ ؟
قالَ: رَأَتهُ القُلوبُ بِنورِ الإِيمانِ، وأثبَتَتهُ العُقولُ بِيَقظَتِها إثباتَ العَيانِ، وأبصَرَتهُ الأَبصارُ بِما رَأَتهُ مِن حُسنِ التَّركيبِ وإحكامِ التَّأليفِ، ثُمَّ الرُّسُلُ وآياتُها وَالكُتُبُ ومُحكَماتُها، وَاقتَصَرَتِ العُلَماءُ عَلى ما رَأَت مِن عَظَمَتِهِ دونَ رُؤيَتِهِ.
قالَ: ألَيسَ هُوَ قادِرٌ أن يَظهَرَ لَهُم حَتّى يَرَوهُ فَيَعرِفوهُ، فَيُعبَدَ عَلى يَقينٍ ؟ قالَ: لَيسَ لِلمُحالِ جَوابٌ.
قالَ: فَمِن أينَ أثبَتَّ أنبِياءَ ورُسَلاً ؟
قالَ عليه‏السلام: إنَّا لَمّا أثبَتنا أنَّ لَنا خالِقا صانِعا مُتَعالِيا عَنّا وعَن جَميعِ ما خَلَقَ، وكانَ ذلِكَ الصّانِعُ حَكيما، لَم يَجُز أن يُشاهِدَهُ خَلقُهُ، و لا أن يُلامِسوهُ، ولا أن يُباشِرَهُم ويُباشِروهُ، ويُحاجَّهُم ويُحاجّوهُ، ثَبَتَ أنَّ لَهُ سُفَراءَ في خَلقِهِ وعِبادِهِ يَدُلّونَهُم عَلى مَصالِحِهِم ومَنافِعِهِم، وما بِهِ بَقاؤُهُم، وفي تَركِهِ فَناؤُهُم، فَثَبَتَ الآمِرونُ وَالنّاهونَ عَنِ الحَكيمِ العَليمِ في خَلقِهِ، وثَبَتَ عِندَ ذلِكَ أنَّ لَهُ مُعَبِّرينَ وهُمُ الأَنبِياءُ وصَفوَتُهُ مِن خَلقِهِ، حُكَماءَ مُؤَدَّبينَ بِالحِكمَةِ، مَبعوثينَ عَنهُ، مُشارِكينَ لِلنّاسِ

1.جاءت في معنى ومصداق كلمة الزِّنديق آراء متعدّدة ؛ من جملتها الدهري ، والثنوي ، والمانوي . والوجه الجامع للمعاني المذكورة هو إنكار الدِين أو الإسلام . للاطّلاع على مزيدٍ من التفاصيل حول أصل هذه الكلمة ومعانيها ، تاج العروس : ۱۳ / ۲۰۱ ، لسان العرب : ۱۰ / ۱۴۷ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11072
صفحه از 216
پرینت  ارسال به