145
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

وقَد أنزَلتَ الشَّهوَةَ حَتّى تَخرُجَ مِنكَ بِقَدرِ ما تَخرُجُ مِنكَ فِي اليَقظَةِ، هذا كَسرٌ لِحُجَّتِكَ فِي السَّرابِ.
قالَ: ما يَرَى المُحتَلِمُ في مَنامِهِ شَيئا إلاّ ما كانَت حَواسُّهُ دَلَّتَ عَلَيهِ فِي اليَقظَةِ.
قُلتُ: ما زِدتَ عَلى أن قَوَّيتَ مَقالتي، وزَعَمتَ أنَّ القَلبَ يَعقِلُ الأَشياءَ ويَعرِفُها بَعدَ ذَهابِ الحَواسِّ ومَوتِها فَكَيفَ أنكَرتَ أنَّ القَلبَ يَعرِفُ الأَشياءَ وهُوَ يَقظانُ مُجتَمِعَةٌ لَهُ حَواسُّهُ...
قالَ: لَقَد كُنتُ أظُنُّكَ لا تَتَخَلَّصُ مِن هذِهِ المَسأَلَةِ وقَد جِئتَ بِشَيءٍ لا أقدِرُ عَلى رَدِّهِ! قُلتُ: وأنا اُعطيكَ تَصاديقَ ما أنبَأتُكَ بِهِ وما رَأَيتَ في مَنامِكَ في مَجلِسِكَ السّاعَةَ.
قالَ: اِفعَل فَإِنّي قَد تَحَيَّرتُ في هذِهِ المَسأَلَةِ.
قُلتُ: أخبِرني هَل تُحَدِّثُ نَفسَكَ مِن تِجارَةٍ أو صَناعَةٍ أو بِناءٍ أو تَقديرِ شَيءٍ وتَأمُرُ بِهِ إذا أحكَمتَ تَقديرَهُ في ظَنِّكَ ؟
قالَ: نَعَم.
قُلتُ: فَهَل أشرَكتَ قَلبَكَ في ذلِكَ الفِكرِ شَيئا مِن حَواسِّكَ ؟
قالَ: لا.
قُلتُ: أفَلا تَعلَمُ أنَّ الَّذي أخبَرَكَ بِهِ قَلبُكَ حَقٌّ ؟ قالَ: اليَقينُ هُوَ۱.

1.بحارالأنوار : ۳/۱۵۲ نقلاً عن الإهليلجة في التوحيد للمفضّل بن عمر .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
144

حَتّى أراهُ في يَقظَتي كَما رَأَيتُهُ في مَنامي.
قُلتُ: فَأَخبِرني أيُّ حَواسِّكَ قَرَّرَت عِلمَ ذلِكَ في قَلبِكَ، حَتّى ذَكَّرتَهُ بَعدَ مَا استَيقَظتَ ؟
قالَ: إنَّ هذَا الأَمرَ ما دَخَلَت فيهِ الحَواسُّ.
قُلتُ: أفَلَيسَ يَنبَغي لَكَ أن تَعلَمَ حَيثُ بَطَلَتِ الحَواسُّ في هذا أنَّ الَّذي عايَنَ تِلكَ الأَشياءَ وحَفِظَها في مَنامِكَ ـ قَلبُكَ الَّذي جَعَلَ اللّه‏ُ فيهِ العَقلَ الَّذِي احتَجَّ بِهِ عَلَى العِبادِ ؟
قالَ: إنَّ الَّذي رَأَيتُ في مَنامي لَيسَ بِشَيءٍ، إنَّما هُوَ بِمَنزِلَةِ السَّرابِ الَّذي يُعايِنُهُ صاحِبُهُ ويَنظُرُ إلَيهِ، لا يَشُكُّ فيهِ أنَّهُ ماءٌ ؛ فَإِذَا انتَهى إلى مَكانِهِ لَم يَجِدهُ شَيئا ؛ فَما رَأَيتُ في مَنامي فَبِهذِهِ المَنزِلَةِ.
قُلتُ: كَيفَ شَبَّهتَ السَّرابَ بِما رَأَيتَ في مَنامِكَ مِن أكلِكَ الطَّعامَ الحُلوَ وَالحامِضَ، وما رَأَيتَ مِنَ الفَرَحِ وَالحُزنِ ؟
قالَ: لِأَنَّ السَّرابَ حَيثُ انتَهَيتُ إلى مَوضِعِهِ صارَ لا شَيءَ، وكَذلِكَ صارَ ما رَأَيتُ في مَنامي حينَ انتَبَهتُ.
قُلتُ: فَأَخبِرني إن أتَيتُكَ بِأَمرٍ وَجَدتَ لَذَّتَهُ في مَنامِكَ، وخَفَقَ لِذلِكَ قَلبُكَ ألَستَ تَعلَمُ أنَّ الأَمرَ عَلى ما وَصَفتُ لَكَ ؟ قالَ: بَلى.
قُلتُ: فَأَخبِرني هَلِ احتَلَمتَ قَطُّ حَتّى قَضَيتَ فِي امرَأَةٍ نَهمَتَكَ عَرَفتَها أم لَم تَعرِفها ؟ قالَ: بَلى مالا اُحصيهِ.
قُلتُ: ألَستَ وَجَدتَ لِذلِكَ لَذَّةً عَلى قَدرِ لَذَّتِكَ في يَقظَتِكَ فَتَنتَبِهُ

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11077
صفحه از 216
پرینت  ارسال به