143
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

وَالطَّيرَ اللاّقِطَ عَلى لَقطِ الحَبِّ، وَالسِّباعَ عَلى ابتِلاعِ اللَّحمِ ؟
قالَ: لَستُ أجِدُ القَلبَ يَعلَمُ شَيئا إلاّ بِالحَواسِّ...
[قلت:] فَهَل رَأَيتَ فِي المَنامِ أنَّكَ تَأكُلُ وتَشرَبُ حَتّى وَصَلَت لَذَّةُ ذلِكَ إلى قَلبِكَ ؟ قالَ: نَعَم.
قُلتُ: فَهَل رَأَيتَ أنَّكَ تَضحَكُ وتَبكي وتَجولُ فِي البُلدانِ الَّتي لَم تَرَها والَّتي قَد رَأَيتَها حَتّى تَعلَمَ مَعالِمَ ما رَأَيتَ مِنها ؟
قالَ: نعم، ما لا اُحصي. قُلتُ: هَل رَأَيتَ أحَدا مِن أقارِبِكَ مِن أخٍ أو أبٍ أو ذي رَحِمٍ قَد ماتَ قَبلَ ذلِكَ حَتّى تَعلَمَهُ وتَعرِفَهُ كَمَعرِفَتِكَ إيّاهُ قَبلَ أن يَموتَ ؟
قالَ: أكثَرُ مِنَ الكَثيرِ.
قُلتُ: فَأَخبِرني أيُّ حَواسِّكَ أدرَكَ هذِهِ الأَشياءَ في مَنامِكَ حَتّى دَلَّت قَلبَكَ عَلى مُعايَنَةِ المَوتى وكَلامِهِم، وأكلِ طَعامِهِم، وَالجَوَلانِ فِي البُلدانِ، وَالضِّحكِ وَالبُكاءِ وغَيرِ ذلِكَ ؟
قالَ: ما أقدِرُ أن أقولَ لَكَ أيُّ حَواسّي أدرَكَ ذلِكَ أو شَيئا مِنهُ، وكَيفَ تُدرِكُ وهِيَ بِمَنزِلَةِ المَيِّتِ لا تَسمَعُ ولا تُبصِرُ ؟
قُلتُ: فَأَخبِرني حَيثُ استَيقَظتَ ألَستَ قَد ذَكَرتَ الَّذي رَأَيتَ في مَنامِكَ تَحفِظُهُ وتَقُصُّهُ بَعدَ يَقظَتِكَ عَلى إخوانِكَ لا تَنسى مِنهُ حَرفا ؟
قالَ: إنَّهُ كَما تَقولُ ورُبَّما رَأَيتُ الشَّيءَ في مَنامي، ثُمَّ لا اُمسي


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
142

قالَ: نَعَم، ولكِن يَبقى بِغَيرِ دَليلٍ عَلَى الأَشياءِ الَّتي تَدُلُّ عَلَيهَا الحَواسُّ. قُلتُ: أفَلَستَ تَعلَمُ أنَّ الطِّفلَ تَضَعُهُ اُمُّهُ مُضغَةً لَيسَ تَدُلُّهُ الحَواسُّ عَلى شَيءٍ يُسمَعُ ولا يُبصَرُ ولا يُذاقُ ولا يُلمَسُ ولا يُشَمُّ ؟
قالَ: بَلى.
قُلتُ: فَأَيَّةُ الحَواسِّ دَلَّتهُ عَلى طَلَبِ اللَّبَنِ إذا جاعَ ؟ وَالضِّحكِ بَعدَ البُكاءِ إذا رَوى مِنَ اللَّبَنِ ؟ وأيُّ حَواسِّ سِباعِ الطَّيرِ ولاقِطِ الحَبِّ مِنها دَلَّها عَلى أن تُلقِيَ بَينَ أفراخِهَا اللَّحمَ وَالحَبَّ فَتَهوِيَ سِباعُها إلَى اللَّحمِ، وَالآخَرونَ إلَى الحَبِّ ؟
وأخبِرني عَن فِراخِ طَيرِ الماءِ ألَستَ تَعلَمُ أنَّ فِراخَ طَيرِ الماءِ إذا طُرِحَت فيهِ سُبِحَت، وإذا طُرِحَت فيهِ فِراخُ طَيرِ البَرِّ غَرَقَت وَالحَواسُّ واحِدَةٌ ؟ فَكَيفَ انتَفَعَ بِالحَواسِّ طَيرُ الماءِ وأعانَتهُ عَلَى السِّباحَةِ ولَم تَنتَفِع طَيرُ البَرِّ فِي الماءِ بِحَواسِّها ؟...
أم أخبِرني ما بالُ الذَّرَّةِ الَّتي لا تُعايِنُ الماءَ قَطُّ تُطرَحُ فِي الماءِ فَتَسبَحُ، وتُلقَى الإِنسانُ ابنُ خَمسينَ سَنَةً مِن أقوَى الرِّجالِ وأعقَلِهِم لَم يَتَعَلَّمِ السِّباحَةَ فَيَغرَقُ ؟ كَيفَ لَم يَدُلَّهُ عَقلُهُ ولُبُّهُ وتَجارِبُهُ وبَصَرُهُ بِالأَشياءِ مَعَ اجتِماعِ حَواسِّهِ، وصِحَّتِها أن يُدرِكَ ذلِكَ بِحَواسِّهِ كَما أدرَكَتهُ الذَّرَّةُ إن كانَ ذلِكَ إنَّما يُدرِكُ بِالحَواسِّ ؟ أفَلَيسَ يَنبَغي لَكَ أن تَعلَمَ أنَّ القَلبَ الَّذي هُوَ مَعدِنُ العَقلِ فِي الصَّبِيِّ الَّذي وَصَفتُ وغَيرِهِ مِمّا سَمِعتَ مِنَ الحَيَوانِ هُوَ الَّذي يُهَيِّجُ الصَّبِيَّ إلى طَلَبِ الرِّضاعِ،

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11086
صفحه از 216
پرینت  ارسال به