141
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

قَبلَ أن تَهلِكَ وتَبلى وتَصيرَ تُرابا، وقَد رَبَّتِ الشَّجَرَةَ وهِيَ ميتةٌ ـ»، إنَّ هذَا القَولَ مُختَلِفٌ.
قالَ: لا أقولُ ذلِكَ.
قُلتُ: أفَتُقِرُّ بِأَنَّ اللّه‏َ خَلَقَ الخَلقَ أم قَد بَقِيَ في نَفسِكَ شَيءٌ مِن ذلِكَ ؟
قالَ: إنّي مِن ذلِكَ عَلى حَدِّ وُقوفٍ، ما أتَخَلَّصُ إلى أمرٍ يَنفُذُ لي فيهِ الأَمرُ.
قُلتُ: أمّا إذ أبَيتَ إلاَّ الجَهالَةَ، وزَعَمتَ أنَّ الأَشياءَ لا يُدرَكُ إلاّ بِالحَواسِّ، فَإِنّي اُخبِرُكَ أنَّهُ لَيسَ لِلحَواسِّ دَلالَةٌ عَلَى الأَشياءِ ولا فيها مَعرِفَةٌ إلاّ بِالقَلبِ ؛ فَإِنَّهُ دَليلُها ومُعَرِّفُهَا الأَشياءَ الَّتي تَدَّعي أنَّ القَلبَ لا يَعرِفُها إلاّ بِها.
فَقالَ: أمّا إذ نَطَقتَ بِهذا فَما أقبَلُ مِنكَ إلاّ بِالتَّخليصِ وَالتَّفَحُّصِ مِنهُ بِإِيضاحٍ وبَيانٍ وحُجَّةٍ وبُرهانٍ.
قُلتُ: فَأَوَّلُ ما أبدَأُ بِهِ أنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ رُبَّما ذَهَبَ الحَواسُّ أو بَعضُها، ودَبَّرَ القَلبُ الأَشياءَ الَّتي فيهَا المَضَرَّةُ وَالمَنفَعَةُ مِنَ الاُمورِ العَلانِيَةِ وَالخَفِيَّةِ فَأَمَرَ بِها ونَهى، فَنَفَذَ فيها أمرُهُ وصَحَّ فيها قَضاؤُهُ.
قالَ: إنَّكَ تَقولُ في هذا قَولاً يُشبِهُ الحُجَّةَ، ولكِنّي اُحِبُّ أن توضِحَهُ لي غَيرَ هذَا الإِيضاحِ.
قُلتُ: ألَستَ تَعلَمُ أنَّ القَلبَ يَبقى بَعدَ ذَهابِ الحَواسِّ ؟


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
140

شَيئا ؟ فَانظُر أيَّ القَولَينِ أولى بِالحَقِّ ؟
قالَ: قَولُكَ.
قُلتُ: فَما يَمنَعُكَ مِنهُ ؟
قالَ: قَد قَبِلتُهُ وَاستَبانَ لي حَقُّهُ وصِدقُهُ بِأَنَّ الأَشياءَ المُختَلِفَةَ وَالإِهليلَجَةَ لَم يَصنَعنَ أنفُسَهُنَّ، ولَم يُدَبِّرنَ خَلقَهُنَّ.
ولكِنَّهُ تَعَرَّضَ لي أنَّ الشَّجَرَةَ هِيَ الَّتي صَنَعَتِ الإِهليلَجَةَ ؛ لِأَ نَّها خَرَجَت مِنها.
قُلتُ: فَمَن صَنَعَ الشَّجَرَةَ ؟
قالَ: الإِهليلَجَةُ الاُخرى.
قُلتُ: اِجعَل لِكَلامِكَ غايَةً أنتهي إلَيها. فَإِمّا أن تَقولَ: «هُوَ اللّه‏ُ سُبحانَهُ» فَيُقبَلُ مِنكَ، وإمّا أن تَقولَ: «الإِهليلَجَةُ» فَنسأَ لَكَ.
قالَ: سَل.
قُلتُ: أخبِرني عَنِ الإِهليلَجَةِ، هَل تَنبُتُ مِنهَا الشَّجَرَةُ إلاّ بَعدَما ماتَتَ وبَلِيَت وبادَت ؟
قالَ: لا.
قُلتُ: إنَّ الشَّجَرَةَ بَقِيَت بَعدَ هَلاكِ الإِهليلَجَةِ مِائَةَ سَنَةٍ، فَمَن كانَ يَحميها ويَزيدُ فيها، ويُدَبِّرُ خَلقَها ويُرَبِّيها، ويُنبِتُ وَرَقَها ؟ ما لَكَ بُدٌّ مِن أن تَقولَ: «هُوَ الَّذي خَلَقَها»، ولَئِن قُلتَ: «الإِهليلَجَةُ ـ وهِيَ حَيَّةٌ

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11085
صفحه از 216
پرینت  ارسال به