قَبلَ أن تَهلِكَ وتَبلى وتَصيرَ تُرابا، وقَد رَبَّتِ الشَّجَرَةَ وهِيَ ميتةٌ ـ»، إنَّ هذَا القَولَ مُختَلِفٌ.
قالَ: لا أقولُ ذلِكَ.
قُلتُ: أفَتُقِرُّ بِأَنَّ اللّهَ خَلَقَ الخَلقَ أم قَد بَقِيَ في نَفسِكَ شَيءٌ مِن ذلِكَ ؟
قالَ: إنّي مِن ذلِكَ عَلى حَدِّ وُقوفٍ، ما أتَخَلَّصُ إلى أمرٍ يَنفُذُ لي فيهِ الأَمرُ.
قُلتُ: أمّا إذ أبَيتَ إلاَّ الجَهالَةَ، وزَعَمتَ أنَّ الأَشياءَ لا يُدرَكُ إلاّ بِالحَواسِّ، فَإِنّي اُخبِرُكَ أنَّهُ لَيسَ لِلحَواسِّ دَلالَةٌ عَلَى الأَشياءِ ولا فيها مَعرِفَةٌ إلاّ بِالقَلبِ ؛ فَإِنَّهُ دَليلُها ومُعَرِّفُهَا الأَشياءَ الَّتي تَدَّعي أنَّ القَلبَ لا يَعرِفُها إلاّ بِها.
فَقالَ: أمّا إذ نَطَقتَ بِهذا فَما أقبَلُ مِنكَ إلاّ بِالتَّخليصِ وَالتَّفَحُّصِ مِنهُ بِإِيضاحٍ وبَيانٍ وحُجَّةٍ وبُرهانٍ.
قُلتُ: فَأَوَّلُ ما أبدَأُ بِهِ أنَّكَ تَعلَمُ أنَّهُ رُبَّما ذَهَبَ الحَواسُّ أو بَعضُها، ودَبَّرَ القَلبُ الأَشياءَ الَّتي فيهَا المَضَرَّةُ وَالمَنفَعَةُ مِنَ الاُمورِ العَلانِيَةِ وَالخَفِيَّةِ فَأَمَرَ بِها ونَهى، فَنَفَذَ فيها أمرُهُ وصَحَّ فيها قَضاؤُهُ.
قالَ: إنَّكَ تَقولُ في هذا قَولاً يُشبِهُ الحُجَّةَ، ولكِنّي اُحِبُّ أن توضِحَهُ لي غَيرَ هذَا الإِيضاحِ.
قُلتُ: ألَستَ تَعلَمُ أنَّ القَلبَ يَبقى بَعدَ ذَهابِ الحَواسِّ ؟