139
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

قُلتُ: لِأَنَّكَ أقرَرتَ بِوُجودٍ حَكيمٍ لَطيفٍ مُدَبِّرٍ، فَلَمّا سَأَلتُكَ «مَن هُوَ ؟» قُلتَ: «الإِهليلَجَةُ». قَد أقرَرتَ بِاللّه‏ِ سُبحانَهُ، ولكِنَّكَ سَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ، ولَو عَقَلتَ وفَكَّرتَ لَعَلِمتَ أنَّ الإِهليلَجَةَ أنقَصُ قُوَّةً مِن أن تَخلُقَ نَفسَها، وأضعَفُ حيلَةً مِن أن تُدَبِّرَ خَلقَها.
قالَ: هَل عِندَكَ غَيرُ هذا ؟
قُلتُ: نَعَم. أخبِرني عَن هذِهِ الإِهليلَجَةِ الَّتي زَعَمتَ أنَّها صَنَعَت نَفسَها ودَبَّرَت أمرَها كَيفَ صَنَعَت نَفسَها صَغيرَةَ الخِلقَةِ، صَغيرَةَ القُدرَةِ، ناقِصَةَ القُوَّةِ، لا تَمتَنِعُ أن تُكسَرَ وتُعصَرَ وتُؤكَلَ ؟ وكَيفَ صَنَعَت نَفسَها مَفضولَةً مَأكولَةً مُرَّةً قَبيحَةَ المَنظَرِ لا بَهاءَ لَها ولا ماءَ ؟
قالَ: لِأَ نَّها لَم تَقوَ إلاّ عَلى ما صَنَعَت نَفسَها أو لَم تَصنَع إلاّ ما هَوِيَت.
قُلتُ: أما إذ أبَيتَ إلاَّ التَّمادِيَ فِي الباطِلِ فَأَعلِمني مَتى خَلَقَت نَفسَها ودَبَّرَت خَلقَها قَبلَ أن تَكونَ أو بَعدَ أن كانَت ؟ فَإِن زَعَمتَ أنَّ الإِهليلَجَةَ خَلَقَت نَفسَها بَعدَ ما كانَت فَإِنَّ هذا لَمِن أبيَنِ المُحالَ! كَيفَ تَكونُ مَوجودَةً مَصنوعَةً، ثُمَّ تَصنَعُ نَفسَها مَرَّةً اُخرى ؟ فَيَصيرُ كَلامُكَ إلى أنَّها مُصنوعَةً مَرَّتَينِ ؟ ولَئِن قُلتَ «إنَّها خَلَقَت نَفسَها ودَبَّرَت خَلقَها قَبلَ أن تَكونَ»، إنَّ هذا مِن أوضَحِ الباطِلِ وأبيَنِ الكَذِبِ ؛ لِأَ نَّها قَبلَ أن تَكونَ لَيسَ بِشَيءٍ، فَكَيفَ يَخلُقُ لا شَيءٌ شَيئا ؟ وكَيفَ تَعيبُ قَولي: إنَّ شَيئا يَصنَعُ لا شَيئا ولا تَعيبُ قَولَكَ: إنَّ لا شَيءَ يَصنَعُ لا


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
138

ثَمَرَتِها، وزِيادَةِ أجزائِها، وتَفصيلِ تَركيبِها أوضَحَ الدَّلالاتِ، وأظهَرَ البَيِّنَةِ عَلى مَعرِفَةِ الصّانِعِ، ولَقَد صَدَّقتُ بِأَنَّ الأَشياءَ مَصنوعَةٌ، ولكِنّي لا أدري لَعَلَّ الإِهليلَجَةَ وَالأَشياءَ صَنَعَت أنفُسَها ؟
قُلتُ: أوَ لَستَ تَعلَمُ أنَّ خالِقَ الأَشياءِ وَالإِهليلَجَةِ حَكيمٌ عالِمٌ بِما عايَنتَ مِن قُوَّةِ تَدبيرِهِ ؟
قالَ: بَلى.
قُلتُ: فَهَل يَنبَغي لِلَّذي هُوَ كَذلِكَ أن يَكونَ حَدَثا ؟
قالَ: لا.
قُلتُ: أفَلَستَ قَد رَأَيتَ الإِهليلَجَةَ حينَ حَدَثَت وعايَنتَها بَعدَ أن لَم تَكُن شَيئا، ثُمَّ هَلَكَت كَأَن لَم تَكُن شَيئا ؟
قالَ: بَلى، وإنَّما أعطَيتُكَ أنَّ الإِهليلَجَةَ حَدَثَت ولَم اُعطِكَ أنَّ الصّانِعَ لا يَكونُ حادِثا لا يَخلُقُ نَفسَهُ.
قُلتُ: أَلَم تُعطِني أنَّ الحَكيمَ الخالِقَ لا يكَونُ حَدَثا، وزَعَمتَ أنَّ الإِهليلَجَةَ حَدَثَت ؟ فَقَد أعطَيتَني أنَّ الإِهليلَجَةَ مَصنوعَةٌ، فَهُوَ عَزَّوجَلَّ صانِعُ الإِهليلَجَةِ، وإن رَجَعتَ إلى أن تَقولَ: إنَّ الإِهليلَجَةَ صَنَعَت نَفسَها ودَبَّرَت خَلقَها فَما زِدتَ أن أقرَرتَ بِما أنكَرتَ، ووَصَفتَ صانِعا مُدَبِّرا أصَبتَ صِفَتَهُ، ولكِنَّكَ لَم تَعرِفهُ فَسَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ.
قالَ: كَيفَ ذلِكَ ؟

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11091
صفحه از 216
پرینت  ارسال به