قُلتُ: لِأَنَّكَ أقرَرتَ بِوُجودٍ حَكيمٍ لَطيفٍ مُدَبِّرٍ، فَلَمّا سَأَلتُكَ «مَن هُوَ ؟» قُلتَ: «الإِهليلَجَةُ». قَد أقرَرتَ بِاللّهِ سُبحانَهُ، ولكِنَّكَ سَمَّيتَهُ بِغَيرِ اسمِهِ، ولَو عَقَلتَ وفَكَّرتَ لَعَلِمتَ أنَّ الإِهليلَجَةَ أنقَصُ قُوَّةً مِن أن تَخلُقَ نَفسَها، وأضعَفُ حيلَةً مِن أن تُدَبِّرَ خَلقَها.
قالَ: هَل عِندَكَ غَيرُ هذا ؟
قُلتُ: نَعَم. أخبِرني عَن هذِهِ الإِهليلَجَةِ الَّتي زَعَمتَ أنَّها صَنَعَت نَفسَها ودَبَّرَت أمرَها كَيفَ صَنَعَت نَفسَها صَغيرَةَ الخِلقَةِ، صَغيرَةَ القُدرَةِ، ناقِصَةَ القُوَّةِ، لا تَمتَنِعُ أن تُكسَرَ وتُعصَرَ وتُؤكَلَ ؟ وكَيفَ صَنَعَت نَفسَها مَفضولَةً مَأكولَةً مُرَّةً قَبيحَةَ المَنظَرِ لا بَهاءَ لَها ولا ماءَ ؟
قالَ: لِأَ نَّها لَم تَقوَ إلاّ عَلى ما صَنَعَت نَفسَها أو لَم تَصنَع إلاّ ما هَوِيَت.
قُلتُ: أما إذ أبَيتَ إلاَّ التَّمادِيَ فِي الباطِلِ فَأَعلِمني مَتى خَلَقَت نَفسَها ودَبَّرَت خَلقَها قَبلَ أن تَكونَ أو بَعدَ أن كانَت ؟ فَإِن زَعَمتَ أنَّ الإِهليلَجَةَ خَلَقَت نَفسَها بَعدَ ما كانَت فَإِنَّ هذا لَمِن أبيَنِ المُحالَ! كَيفَ تَكونُ مَوجودَةً مَصنوعَةً، ثُمَّ تَصنَعُ نَفسَها مَرَّةً اُخرى ؟ فَيَصيرُ كَلامُكَ إلى أنَّها مُصنوعَةً مَرَّتَينِ ؟ ولَئِن قُلتَ «إنَّها خَلَقَت نَفسَها ودَبَّرَت خَلقَها قَبلَ أن تَكونَ»، إنَّ هذا مِن أوضَحِ الباطِلِ وأبيَنِ الكَذِبِ ؛ لِأَ نَّها قَبلَ أن تَكونَ لَيسَ بِشَيءٍ، فَكَيفَ يَخلُقُ لا شَيءٌ شَيئا ؟ وكَيفَ تَعيبُ قَولي: إنَّ شَيئا يَصنَعُ لا شَيئا ولا تَعيبُ قَولَكَ: إنَّ لا شَيءَ يَصنَعُ لا