137
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

شَديدٍ، في طَبائِعَ مُتَفَرِّقَةٍ، وطَرائِقَ مُختَلِفَةٍ، وأجزاءٍ مُؤتَلِفَةٍ مَعَ لِحاءٍ تَسقيها، وعُروقٍ يَجري فيهَا الماءُ، ووَرَقٍ يَستُرُها وتَقيها مِنَ الشَّمسِ أن تُحرِقَها، ومِنَ البَردِ أن يُهلِكَها، وَالرّيحِ أن تُذبِلَها ؟
قالَ: أفَلَيسَ لَو كانَ الوَرَقُ مُطبَقا عَلَيها كانَ خَيرا لَها ؟
قُلتُ: اللّه‏ُ أحسَنُ تَقديرا لَو كانَ كَما تَقولُ لَم يَصِل إلَيها ريحٌ يُرَوِّحُها، ولا بَردٌ يُشَدِّدُها، ولَعَفِنَت عِندَ ذلِكَ، ولَو لَم يَصِل إلَيها حَرُّ الشَّمسِ لَما نَضَجَت، ولكِن شَمسٌ مَرَّةً وريحٌ مَرَّةً وبَردٌ مَرَّةً، قَدَّرَ اللّه‏ُ ذلِكَ بِقُوَّةٍ لَطيفَةٍ، ودَبَّرَهُ بِحِكمَةٍ بالِغَةٍ.
قالَ: حَسبي مِنَ التَّصويرِ! فَسِّر لِيَ التَّدبيرَ الَّذي زَعَمتَ أنَّكَ تَرَيَنَّهُ.
قُلتُ: أرَأَيتَ الإِهليلَجَةَ قَبلَ أن تُعقَدَ إذ هِيَ في قَمعِها ماءٌ بِغَيرِ نَواةٍ ولا لَحمٍ ولا قِشرٍ ولا لَونٍ ولا طَعمٍ ولا شِدَّةٍ ؟
قالَ: نَعَم.
قُلتُ: أرَأَيتَ لَو لَم يَرفَقِ الخالِقُ ذلِكَ الماءَ الضَّعيفَ الَّذي هُوَ مِثلُ الخَردَلَةِ فِي القِلَّةِ وَالذِّلَّةِ ولَم يُقَوِّهِ بِقُوَّتِهِ ويُصَوِّرهُ بِحِكمَتِهِ ويُقَدِّرهُ بِقُدرَتِهِ، هَل كانَ ذلِكَ الماءُ يَزيدُ عَلى أن يَكونَ في قَمعِهِ غَيرَ مَجموعٍ بِجِسمٍ وقَمعٍ وتَفصيلٍ ؟ فَإِن زادَ زادَ، ماءً مُتَراكِبا غَيرَ مُصَوَّرٍ، ولا مُخَطَّطٍ ولا مُدَبَّرٍ بِزِيادَةِ أجزاءٍ، ولا تَأليفِ أطباقٍ.
قالَ: قَد أرَيتَني مِن تَصويرِ شَجَرَتِها، وتَأليفِ خِلقَتِها، وحَملِ


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
136

أن تَكونَ هذِهِ الإِهليلَجَةُ فيها ؟ قالَ: نَعَم. قُلتُ: فَهَل كُنتُ تُعايِنُ هذِهِ الإِهليلَجَةَ ؟ قالَ: لا. قُلتُ: أفَما تَعلَمُ أنَّكَ كُنتَ عايَنتَ الشَّجَرَةَ ولَيسَ فيهَا الإِهليلَجَةُ ثُمَّ عُدتَ إلَيها فَوَجَدتَ فيهَا الإِهليلَجَةَ، أفَما تَعلَمُ أنَّهُ قَد حَدَثَ فيها ما لَم تَكُن ؟ قالَ: ما أستَطيعُ أن اُنكِرَ ذلِكَ ولكِنّي أقولُ: إنَّها كانَت فيها مُتَفَرِّقَةٌ.
قُلتُ: فَأَخبِرني هَل رَأَيتَ تِلكَ الإِهليلَجَةَ الَّتي تَنبُتُ مِنها شَجَرَةُ هذِهِ الإِهليلَجَةِ قَبلَ أن تُغرَسَ ؟ قالَ: نَعَم. قُلتُ: فَهَل يَحتَمِلُ عَقلُكَ أنَّ الشَّجَرَةَ الَّتي تَبلُغُ أصلُها وعُروقُها وفُروعُها ولِحاؤُها وكُلُّ ثَمَرَةٍ جُنِيَت، ووَرَقَةٍ سُقِطَت ألفَ ألفِ رَطلٍ كانَت كامِنَةً في هذِهِ الإِهليلَجَةِ ؟ قالَ: ما يَحتَمِلُ هذَا العَقلُ ولا يَقبَلُهُ القَلبُ. قُلتُ: أقرَرتَ أنَّها حَدَثَت فِي الشَّجَرَةِ ؟ قالَ: نَعَم، ولكِنّي لا أعرِفُ أنَّها مَصنوعَةٌ، فَهَل تَقدِرُ أن تُقَرِّرَني بِذلِكَ ؟ قُلتُ: نَعَم. أرَأَيتَ أنّي إن أرَيتُكَ تَدبيرا أتُقِرُّ أنَّ لَهُ مُدَبِّرا، وتَصويرا أنَّ لَهُ مُصَوِّرا ؟ قالَ: لابُدَّ مِن ذلِكَ.
قُلتُ: ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هذِهِ الإِهليلَجَةَ لَحمٌ رُكِّبَ عَلى عَظمٍ فَوُضِعَ في جَوفٍ مُتَّصِلٍ بِغُصنٍ مُرَكَّبٍ عَلى ساقٍ يَقومُ عَلى أصلٍ فَيَقوى بِعُروقٍ مِن تَحتِها عَلى جِرمٍ مُتَّصِلٍ بَعضٍ بِبَعضٍ ؟ قالَ: بَلى. قُلتُ: ألَستَ تَعلَمُ أنَّ هذِهِ الإِهليلَجَةَ مُصَوَّرَةٌ بِتَقديرٍ وتَخطيطٍ، وتَأليفٍ وتَركيبٍ وتَفصيلٍ مُتَداخِلٍ بِتَأليفِ شَيءٍ في بَعضِ شَيءٍ، بِهِ طَبَقٌ بَعدَ طَبَقٍ وجِسمٌ عَلى جِسمٍ ولَونٌ مَعَ لَونٍ، أبيَضُ في صُفرَةٍ، ولينٌ عَلى

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 11100
صفحه از 216
پرینت  ارسال به