125
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

صَعَدتُ، فَكَذلِكَ حُكمُ النُّزولِ.
ثُمَّ قُلتَ: «حَتّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتابا نَقرَؤُهُ»، مِن بَعدِ ذلِكَ، «ثُمَّ لا أدري اُؤمِنُ بِكَ أو لا اُؤمِنُ بِكَ». فَأَنتَ ـ يا عَبدَاللّه‏ِ ! ـ مُقِرٌّ بِأَنَّكَ تُعانِدُ حُجَّةَ اللّه‏ِ عَلَيكَ، فَلا دَواءَ لَكَ إلاّ تَأديبَهُ لَكَ عَلى يَدِ أولِيائِهِ مِنَ البَشَرِ، أو مَلائِكَتِهِ الزَّبانِيَةِ، وقَد أنزَلَ اللّه‏ُ عَلَيَّ حِكمَةً بالِغَةً جامِعَةً لِبُطلانِ كُلِّ مَا اقتَرَحتَهُ.
فَقالَ عَزَّوجَلَّ: قُلْ يا مُحَمَّدُ ! ـ «سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً»۱ ما أبعَدَ رَبّي عَن أن يَفعلَ الأَشياءَ عَلى [قَدرِ] ما يَقتَرِحُهُ الجُهّالُ بِما يَجوزُ وبِما لا يَجوزُ، وهَل كُنتُ إلاّ بَشرا رَسولاً، لا يَلزَمُني إلاّ إقامَةُ حُجَّةِ اللّه‏ِ الَّتي أعطاني، ولَيسَ لي أن آمُرَ عَلى رَبّي ولا أنهى ولا اُشيرُ، فَأَكونَ كَالرَّسولِ الَّذي بَعَثَهُ مَلِكٌ إلى قَومٍ مِن مُخالِفيهِ فَرَجَعَ إلَيهِ يَأمُرُهُ أن يَفعَلَ بِهِم مَا اقتَرَحوهُ عَلَيهِ.
فَقالَ أبوجَهلٍ: يا مُحَمَّدُ ! هاهُنا واحِدَةٌ، أَلَستَ زَعَمتَ أنَّ قَومَ موسى احتَرَقوا بِالصّاعِقَةِ لَمّا سَأَلوهُ أن يُرِيَهُمُ اللّه‏َ جَهرَةً ؟
قالَ: بَلى.
قالَ: فَلَو كُنتَ نَبيّا لاَحتَرَقنا نَحنُ أيضا، فَقَد سَأَلنا أشَدَّ مِمّا سَأَلَ قَومُ موسى، لِأَ نَّهُم كَما زَعَمتَ قالوا: أرِنَا اللّه‏َ جَهرَةً. ونَحنُ نَقولُ: لَن

1.الإسراء : ۹۳ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
124

قالَ: يا عَبدَاللّه‏ِ، أرَأَيتَ سَفيرَكَ لَو أنَّهُ لَمّا سَمِعَ مِنهُم هذا عادَ إلَيكَ وقالَ [لَكَ]: قُم مَعي فَإِنَّهُم قَدِ اقتَرَحوا عَلَيَّ مَجيئَكَ [مَعي]، ألَيسَ يَكونُ هذا لَكَ مُخالِفا ؟ وتَقولُ لَهُ: إنَّما أنتَ رَسولٌ لا مُشيرٌ ولا آمِرٌ ؟
قالَ: بَلى.
قالَ: فَكَيفَ صِرتَ تَقتَرِحُ عَلى رَسولِ رَبِّ العالَمينَ مالا تُسَوِّغُ لِأَكَرَتِكَ ومُعامِليكَ أن يَقتَرِحوهُ عَلى رَسولِكَ إلَيهِم ؟ وكَيفَ أرَدتَ مِن رَسولِ رَبِّ العالَمينَ أن يَستَذِمَّ إلى رَبِّهِ بِأَن يَأمُرَ عَلَيهِ ويَنهى، وأنتَ لا تُسَوِّغُ مِثلَ هذا عَلى رَسولِكَ إلى أكَرَتِكَ وقُوّامِكَ ؟ هذِهِ حُجَّةٌ قاطِعَةٌ لاِءِبطالِ جَميعِ ما ذَكَرتَهُ في كُلِّ مَا اقتَرَحتَهُ يا عَبدَاللّه‏ِ.
وأمّا قَولُكَ يا عَبدَاللّه‏ِ: «أوَ يَكونَ لَكَ بَيتٌ مِن زُخرُفٍ» وهُوَ الذَّهَبُ، أما بَلَغَكَ أنَّ لِعَزيزِ مِصرَ بُيوتا مِن زُخرُفٍ ؟
قالَ: بَلى.
قالَ: أفَصارَ بِذلِكَ نَبِيّا ؟
قالَ: لا.
قالَ: فَكَذلِكَ لا يوجِبُ [ذلِكَ]لِمُحَمَّدٍ ـ لَو كانَ لَهُ نُبُوَّةً ومُحَمَّدٌ لا يَغتَنِمُ جَهلَكَ بِحُجَجِ اللّه‏ِ.
وأمّا قولُكَ يا عَبدَاللّه‏ِ: «أوَ تَرقى فِي السَّماءِ»، ثُمَّ قُلتَ: «ولَن نُؤمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَينا كِتابا نَقرَؤُهُ». يا عَبدَاللّه‏ِ ! الصُّعودُ إلَى السَّماءِ أصعَبُ مِنَ النُّزولِ عَنها، وإذا اعتَرَفتَ عَلى نَفسِكَ أنَّكَ لا تُؤمِنُ إذا

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 8174
صفحه از 216
پرینت  ارسال به