121
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

قالَ: بَلى.
قالَ: أفَصِرتَ بِذلِكَ أنتَ وهُم أنبِياءَ ؟
قالَ: لا.
قالَ: فَكَذلِكَ لايَصيرُ هذا حُجَّةً لِمُحَمَّدٍ لَو فَعَلَهُ عَلى نُبُوَّتِهِ، فَما هُوَ إلاّ كَقَولِكَ: لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَقومَ وتَمشِيَ عَلَى الأَرضِ [كَما يَمشِي النّاسُ]، أو حَتّى تَأكُلَ الطَّعامَ كَما يَأكُلُ النّاسُ.
وأمّا قَولُكَ يا عَبدَاللّه‏ِ: «أو تَكونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نَخيلٍ وعِنَبٍ، فَتَأكُلَ مِنها وتُطعِمَنا، وتُفَجِّرَ الأَنهارَ خِلالَها تَفجيرا». أوَ لَيسَ لَكَ ولِأَصحابِكَ جَنّاتٌ مِن نَخيلٍ وعِنَبٍ بِالطّائِفِ تَأكُلونَ وتُطعِمونَ مِنها، وتُفَجِّرونَ الأَنهارَ خِلالَها تَفجيرا، أفَصِرتُم أنبِياءَ بِهذا ؟
قالَ: لا.
قالَ: فَما بالُ اقتِراحِكُم عَلى رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أشياءَ لَو كانَت كَما تَقتَرِحونَ لَما دَلَّت عَلى صِدقِهِ، بَل لَو تَعاطاها لَدَلَّ تَعاطيها عَلى كِذبِهِ، لِأَ نَّهُ [حِينَئِذٍ] يَحتَجُّ بِما لا حُجَّةَ فيهِ، ويَختَدِعُ الضُّعَفاءَ عَن عُقولِهِم وأديانِهِم، ورَسولُ رَبِّ العالَمينَ يَجِلُّ ويَرتَفِعُ عَن هذا.
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: يا عَبدَاللّه‏ِ ! وأمّا قَولُكَ: «أو تُسقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمتَ عَلَينا كِسَفا ـ فَإِنَّكَ قُلتَ: وإن يَرَوا كِسْفا مِنَ السَّماءِ ساقِطا يَقولوا سَحابٌ مَركومٌ». فَإِنَّ في سُقوطِ السَّماءِ عَلَيكُم هَلاكَكُم ومَوتَكُم، فَإِنَّما تُريدُ بِهذا مِن رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أن يُهلِكَكَ


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
120

ومِنها ما لَو جاءَكَ بِهِ كانَ مَعَهُ هَلاكُكَ، وإنَّما يُؤتى بِالحُجَجِ وَالبَراهينِ لِيَلزَمَ عِبادَ اللّه‏ِ الإِيمانُ بِها لا لِيَهلَكوا بِها، فَإِنَّمَا اقتَرَحتَ هَلاكَكَ، ورَبُّ العالَمينَ أرحَمُ بِعِبادِهِ، وأعلَمُ بِمَصالِحِهِم من أن يُهلِكَهُم كَما يَقتَرِحونَ.
ومِنهَا المُحالُ الَّذي لا يَصِحُّ ولا يَجوزُ كَونُهُ ورَسولُ رَبِّ العالَمينَ يُعَرِّفُكَ ذلِكَ، ويَقطَعُ مَعاذيرَكَ، ويُضَيِّقُ عَلَيكَ سَبيلَ مُخالَفَتِهِ، ويُلجِئُكَ بِحُجَجِ اللّه‏ِ إلى تَصديقِهِ حَتّى لا يكونَ لَكَ عَنهُ مَحيدٌ ولا مَحيصٌ.
ومِنها ما قَدِ اعتَرَفتَ عَلى نَفسِكَ أنَّكَ فيهِ مُعانِدٌ مُتَمَرِّدٌ، لاتَقبَلُ حُجَّةً ولا تُصغي إلى بُرهانٍ، ومَن كانَ كَذلِكَ فَدَواؤُهُ عَذابُ اللّه‏ِ النّازِلُ مِن سَمائِهِ، أو في جَحيمِهِ، أو بِسُيوفِ أولِيائِهِ.
فَأَمّا قَولُكَ يا عَبدَاللّه‏ِ: «لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِنَ الأَرضِ يَنبوعا بِمَكَّةَ هذِهِ، فَإِنَّها ذاتُ أحجارٍ وصُخورٍ وجِبالٍ، تَكسَحُ أرضَها وتَحفِرُها، وتَجري فيهَا العُيونَ، فَإِنَّنا إلى ذلِكَ مُحتاجونَ». فَإِنَّكَ سَأَلتَ هذا وأنتَ جاهِلٌ بِدَلائِلِ اللّه‏ِ تَعالى.
يا عَبدَاللّه‏ِ ! أرَأَيتَ لَو فَعَلتُ هذا، أكُنتُ مِن أجلِ هذا نَبِيّا ؟ قالَ: لا. قالَ رَسولُ اللّه‏ِ: أرَأَيتَ الطّائِفَ الَّتي لَكَ فيها بَساتينُ ؟ أما كانَ هُناكَ مَواضِعَ فاسِدَةً صَعبَةً أصلَحتَها وذَلَّلتَها وكَسَحتَها وأجرَيتَ فيها عُيونا اِستَنبَطتَها ؟ قالَ: بَلى. قالَ: وهَل لَكَ في هذا نُظَراءُ ؟

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9102
صفحه از 216
پرینت  ارسال به