فَأَحوَجَنا بَعضا إلى_'feبَعضٍ، أحوَجَ هذا إلى مالِ ذلِكَ، وأحوَجَ ذلِكَ إلى سِلعَةِ هذا أو إلى خِدمَتِهِ. فَتَرى أجَلَّ المُلوكِ وأغنَى الأَغنِياءِ مُحتاجا إلى أفقَرِ الفُقَراءِ في ضَربٍ مِنَ الضُّروبِ: إمّا سِلعَةٍ مَعَهُ لَيسَت مَعَهُ، وإمّا خِدمَةٍ يَصلَحُ لَها، لايَتَهَيَّأُ لِذلِكَ المَلِكِ أن يَستَغنِيَ إلاّ بِهِ، وإمّا بابٍ مِنَ العُلومِ وَالحِكَمِ، هُوَ فَقيرٌ إلى أن يَستَفيدَها مِن هذَا الفَقيرِ، فَهذَا الفَقيرُ يَحتاجُ إلى مالِ ذلِكَ المَلِكِ الغَنِيِّ، وذلِكَ المَلِكُ يَحتاجُ إلى عِلمِ هذَا الفَقيرِ، أو رَأيِهِ، أو مَعرِفَتِهِ.
ثُمَّ لَيسَ لِلمَلِكِ أن يَقولَ: هَلاَّ اجتَمَعَ إلى مالي عِلمُ هذَا الفَقيرِ ؟ ولا لِلفَقيرِ أن يَقولَ: هَلاَّ اجتَمَعَ عَلى رَأيي وعِلمي وما أتَصَرَّفُ فيهِ مِن فُنونِ الحِكَمِ مالُ هذَا المَلِكِ الغَنِيِّ ؟
ثُمَّ قالَ اللّهُ تَعالى: «وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا» ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ قُل لَهُم ـ: «وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ»۱ أي ما يَجمَعُهُ هؤُلاءِ مِن أموالِ الدُّنيا.
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّهِ صلىاللهعليهوآله: وأمّا قَولُكَ: «لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِن الأَرضِ يَنبوعا» إلى آخِرِ ما قُلتَهُ، فَإِنَّكَ [قَدِ] اقتَرَحتَ عَلى مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآله أشياءَ:
مِنها ما لَو جاءَكَ بِهِ لَم يَكُن بُرهانا لِنُبُوَّتِهِ، ورَسولُ اللّهِ صلىاللهعليهوآله يَرتَفِعُ عَن أن يَغتَنِمَ جَهلَ الجاهِلينَ، ويَحتَجَّ عَلَيهِم بِما لاحُجَّةَ فيهِ.