119
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

فَأَحوَجَنا بَعضا إلى_'feبَعضٍ، أحوَجَ هذا إلى مالِ ذلِكَ، وأحوَجَ ذلِكَ إلى سِلعَةِ هذا أو إلى خِدمَتِهِ. فَتَرى أجَلَّ المُلوكِ وأغنَى الأَغنِياءِ مُحتاجا إلى أفقَرِ الفُقَراءِ في ضَربٍ مِنَ الضُّروبِ: إمّا سِلعَةٍ مَعَهُ لَيسَت مَعَهُ، وإمّا خِدمَةٍ يَصلَحُ لَها، لايَتَهَيَّأُ لِذلِكَ المَلِكِ أن يَستَغنِيَ إلاّ بِهِ، وإمّا بابٍ مِنَ العُلومِ وَالحِكَمِ، هُوَ فَقيرٌ إلى أن يَستَفيدَها مِن هذَا الفَقيرِ، فَهذَا الفَقيرُ يَحتاجُ إلى مالِ ذلِكَ المَلِكِ الغَنِيِّ، وذلِكَ المَلِكُ يَحتاجُ إلى عِلمِ هذَا الفَقيرِ، أو رَأيِهِ، أو مَعرِفَتِهِ.
ثُمَّ لَيسَ لِلمَلِكِ أن يَقولَ: هَلاَّ اجتَمَعَ إلى مالي عِلمُ هذَا الفَقيرِ ؟ ولا لِلفَقيرِ أن يَقولَ: هَلاَّ اجتَمَعَ عَلى رَأيي وعِلمي وما أتَصَرَّفُ فيهِ مِن فُنونِ الحِكَمِ مالُ هذَا المَلِكِ الغَنِيِّ ؟
ثُمَّ قالَ اللّه‏ُ تَعالى: «وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا» ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ قُل لَهُم ـ: «وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ»۱ أي ما يَجمَعُهُ هؤُلاءِ مِن أموالِ الدُّنيا.
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: وأمّا قَولُكَ: «لَن نُؤمِنَ لَكَ حَتّى تَفجُرَ لَنا مِن الأَرضِ يَنبوعا» إلى آخِرِ ما قُلتَهُ، فَإِنَّكَ [قَدِ] اقتَرَحتَ عَلى مُحَمَّدٍ رَسولِ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أشياءَ:
مِنها ما لَو جاءَكَ بِهِ لَم يَكُن بُرهانا لِنُبُوَّتِهِ، ورَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يَرتَفِعُ عَن أن يَغتَنِمَ جَهلَ الجاهِلينَ، ويَحتَجَّ عَلَيهِم بِما لاحُجَّةَ فيهِ.

1.الزخرف : ۳۲ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
118

طاعَتِهِ.
وإذا كانَ هذا صِفَتَهُ لَم يَنظُر إلى مالٍ ولا إلى حالٍ، بَل هذَا المالُ وَالحالُ مِن تَفَضُّلِهِ، ولَيسَ لِأَحدٍ مِن عِبادِهِ عَلَيهِ ضَربَةُ لازِبٍ۱ فَلا يُقالُ لَهُ: إذا تَفَضَّلتَ بِالمالِ عَلى عَبدٍ فَلابُدَّ [مِن] أن تَتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِالنُّبُوَّةِ أيضا، لِأَ نَّهُ لَيسَ لِأَحَدٍ إكراهُهُ عَلى خِلافِ مُرادِهِ ولا إلزامُهُ تَفَضُّلاً، لِأَ نَّهُ تَفَضَّلَ قَبلَهُ بِنِعَمِهِ.
ألا تَرى ـ يا عَبدَاللّه‏ِ ! ـ كَيفَ أغنى واحِدا وقَبَّحَ صورَتَهُ ؟ وكَيفَ حَسَّنَ صورَةَ واحِدٍ وأفقَرَهُ ؟ وكَيفَ شَرَّفَ واحِدا وأفقَرَهُ ؟ وكَيفَ أغنى واحِدا ووَضَعَهُ ؟ ثُمَّ لَيسَ لِهذَا الغَنِيِّ أن يَقولَ: هَلاّ اُضيفَ إلى يَساري جَمالُ فُلانٍ ؟ ولا لِلجَميلِ أن يَقولَ: هَلاّ اُضيفَ إلى جِمالي مالُ فُلانٍ ؟ ولا لِلشَّريفِ أن يَقولَ: هَلاّ اُضيفَ إلى شَرَفي مالُ فُلانٍ ؟ ولا لِلوَضيعِ أن يَقولَ: هَلاّ اُضيفَ إلى ضَعَتي شَرَفُ فُلانٍ ؟
ولكِنَّ الحُكمَ للّه‏ِِ، يُقَسِّمُ كَيفَ يَشاءُ ويَفعَلُ كَما يَشاءُ، وهُوَ حَكيمٌ في أفعالِهِ، مَحمودٌ في أعمالِهِ، وذلِكَ قَولُهُ تَعالى: «وَ قَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» ـ قالَ اللّه‏ُ تَعالى: «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ـ يا مُحَمَّد ـ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا»۲

1.اللازب : الثابت الشديد الثبوت ، ويعبّر باللازب عن الواجب ، فيقال : ضربة لازب المفردات : ۷۳۹ ، وفي بعض النسخ «ضريبة» بدل «ضربة» .

2.الزخرف : ۳۱ و ۳۲ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9110
صفحه از 216
پرینت  ارسال به