117
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

خَزيَةً، أو زَلَّةً، أو كَذبَةً، أو خِيانَةً، أو خَطَأً مِنَ القَولِ، أو سَفَها مِنَ الرَّأيِ؟ أتَظُنّونَ أنَّ رَجُلاً يَعتَصِمُ طولَ هذِهِ المُدَّةِ بِحَولِ نَفسِهِ وقُوَّتِها، أو بِحَولِ اللّه‏ِ وقُوَّتِهِ ؟ وذلِكَ ما قالَ اللّه‏ُ تَعالى: «انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الْأَمْثَلَ فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً»۱ إلى أن يُثبِتوا عَلَيكَ عَمًى بِحُجَّةٍ أكثَرَ مِن دَعاويهِمُ الباطِلَةِ الَّتي تَبَيَّنَ عَلَيكَ تَحصيلُ بُطلانِها.
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: وأمّا قَولُكَ: «لَولا نُزِّلَ هذَا القُرآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَريَتَينِ عَظيمٍ، الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ بِمَكَّةَ أو عُروَة [بنِ مَسعودٍ الثَّقَفِيِّ]بِالطّائِفِ». فَإِنَّ اللّه‏َ تَعالى لَيسَ يَستَعظِمُ مالَ الدُّنيا كَما تَستَعظِمُهُ أنتَ، ولا خَطَرَ لَهُ عِندَهُ كَما لَهُ عِندَكَ، بَل لَو كانَتِ الدُّنيا عِندَهُ تَعدِلُ جَناحَ بَعوضَةٍ لَما سَقى كافِرا بِهِ مُخالِفا لَهُ شَربَةَ ماءٍ، ولَيسَ قِسمَةُ رَحمَةِ اللّه‏ِ إلَيكَ، بَل اللّه‏ُ هُوَ القاسِمُ لِلرَّحَماتِ، وَالفاعِلُ لِما يَشاءُ في عَبيدِهِ وإمائِهِ، ولَيسَ هُوَ عَزَّوجَلَّ مِمَّن يَخافُ أحَدا كَما تَخافُهُ أنتَ لِمالِهِ وحالِهِ، فَعَرَفتَهُ بِالنُّبُوَّةِ لِذلِكَ، ولا مِمَّن يَطمَعُ في أحَدٍ في مالِهِ أو في حالِهِ كَما تَطمَعُ [أنتَ]فَتَخُصُّهُ بِالنُّبُوَّةِ لِذلِكَ، ولا مِمّن يُحِبُّ أحَدا مَحَبَّةَ الهَواءِ كَما تُحِبُّ أنتَ، فَتُقَدِّمُ مَن لايَستَحِقُّ التَّقديمَ. وإنّما مُعامَلَتُهُ بِالعَدلِ، فَلا يُؤثِرُ أحَدا لِأَفضَلِ مَراتِبِ الدّينِ وخِلالِهِ، إلاَّ الأَفضَلَ في طاعَتِهِ والأَجَدَّ في خِدمَتِهِ، وكَذلِكَ لا يُؤَخِّرُ في مَراتِبِ الدّينِ وخِلالِهِ إلاّ أشَدَّهُم تَباطُؤا عَن

1.الفرقان : ۹ .


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
116

ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: وأمّا قَولُكَ لي: «لَو كُنتَ نَبِيّا لَكانَ مَعَكَ مَلَكٌ يُصَدِّقُكَ ونُشاهِدُهُ، بَل لَو أرادَ اللّه‏ُ أن يَبعَثَ إلَينا نَبِيّا لَكانَ إنَّما يَبعَثُ مَلَكا لا بَشَرا مِثلَنا». فَالمَلَكُ لاتُشاهِدُهُ حَواسُّكُم، لِأَ نَّهُ مِن جِنسِ هذَا الهَواءِ لا عِيانَ مِنهُ، ولَو شاهَدتُموهُ بِأَن يُزادَ في قُوى أبصارِكُم ـ لَقُلتُم: لَيسَ هذا مَلَكا بَل هذا بَشَرٌ، لِأَ نَّهُ إنَّما كانَ يَظهَرُ لَكُم بِصورَةِ البَشَرِ الَّذي [قَد] ألِفتُموهُ لِتَفهَموا عَنهُ مَقالَتَهُ وتَعرِفوا خِطابَهُ ومُرادَهُ، فَكَيفَ كُنتُم تَعلَمونَ صِدقَ المَلَكِ وأنَّ ما يَقولُهُ حَقٌّ ؟ بَل إنَّما بَعَثَ اللّه‏ُ بَشرَا، وأظهَرَ عَلى يَدِهِ المُعجِزاتِ الَّتي لَيسَت في طَبائِعِ البَشَرِ الَّذينَ قَد عَلِمتُم ضَمائِرَ قُلوبِهِم فَتَعلَمونَ بِعَجزِكُم عَمّا جاءَ بِهِ أنَّهُ مُعجِزَةٌ، وأنَّ ذلِكَ شَهادَةٌ مِنَ اللّه‏ِ تَعالى بِالصِّدقِ لَهُ، ولَو ظَهَرَ لَكُم مَلَكٌ وظَهَرَ عَلى يَدِهِ ما يَعجُزُ عَنهُ البَشَرُ لَم يَكُن في ذلِكَ ما يَدُلُّكُم عَلى أنَّ ذلِكَ لَيسَ في طَبائِعِ سائِرِ أجناسِهِ مِنَ المَلائِكَةِ حَتّى يَصيرَ ذلِكَ مُعجِزا.
ألا تَرَونَ أنَّ الطُّيورَ الَّتي تَطيرُ لَيسَ ذلِكَ مِنها بِمُعجِزٍ، لِأَنَّ لَها أجناسا يَقَعُ مِنها مِثلُ طَيَرانِها، ولَو أنَّ آدَمِيّا طارَ كَطَيَرانِها كانَ ذلِكَ مُعجِزا، فَإِنَّ اللّه‏َ عَزَّوجَلَّ سَهَّلَ عَلَيكُمُ الأَمرَ، وجَعَلَهُ بِحَيثُ تَقومُ عَلَيكُم حُجَّتُهُ، وأنتُم تَقتَرِحونَ عَمَلَ الصَّعبِ الَّذي لا حُجَّةَ فيهِ.
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: وأمّا قَولُكَ: «ما أنتَ إلاّ رَجُلٌ مَسحورٌ». فَكَيفَ أكونُ كَذلِكَ وقَد تَعلَمونَ أنّي في صِحَّةِ التَّمييزِ وَالعَقلِ فَوقَكُم ؟ فَهَل جَرَّبتُم عَلَيَ مِنذُ نَشَأتُ إلى أنِ استَكمَلتُ أربَعينَ سَنَةً

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9109
صفحه از 216
پرینت  ارسال به