115
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

مِثلُكُم، ولكِن رَبّي خَصَّني بِالنُّبُوَّةِ دونَكُم، كَما يَخُصُّ بَعضَ البَشَرِ بِالغِنى وَالصِّحَّةِ وَالجَمالِ دونَ بَعضٍ مِنَ البَشَرِ، فَلا تُنكِروا أن يَخُصَّني أيضا بِالنُّبُوَّةِ [دونَكُم].
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: وأمّا قَولُكَ: «[إنَّ] هذا مَلِكَ الرّومِ ومَلِكَ الفُرسِ لا يَبعَثانِ رَسولاً إلاّ كَثيرَ المالِ، عَظيمَ الحالِ، لَهُ قُصورٌ ودورٌ وفَساطيطُ وخِيامٌ وعَبيدٌ وخُدّامٌ، ورَبُّ العالَمينَ فَوقَ هؤُلاءِ كُلِّهِم فَهُم عَبيدُهُ». فَإِنَّ اللّه‏َ لَهُ التَّدبيرُ وَالحُكمُ، لا يَفعَلُ عَلى ظَنِّكَ وحِسبانِكَ، ولا بِاقتِراحِكَ، بَل يَفعَلُ مايَشاءُ، ويَحكُمُ ما يُريدُ، وهُوَ مَحمودٌ.
يا عَبدَاللّه‏ِ، إنّما بَعَثَ اللّه‏ُ نَبِيَّهُ لِيُعَلِّمَ النّاسَ دينَهُم، ويَدعُوَهُم إلى رَبِّهِم، ويَكُدُّ نَفسَهُ في ذلِكَ آناءَ اللَّيلِ وَالنَّهارِ، فَلَو كانَ صاحِبَ قُصورٍ يَحتَجِبُ فيها وعَبيدٍ وخَدَمٍ يَستُرونَهُ عَنِ النّاسِ، ألَيسَ كانَتِ الرِّسالَةُ تَضيعُ وَالاُمورُ تَتَباطَأُ ؟ أوَ ماتَرَى المُلوكَ إذَا احتَجَبوا كَيفَ يَجرِي الفَسادُ وَالقَبائِحُ مِن حَيثُ لايَعلَمونَ بِهِ ولا يَشعُرونَ ؟!
يا عَبدَاللّه‏ِ، إنَّما بَعَثَنِي اللّه‏ُ ولا مالَ لي لِيُعَرِّفَكُم قُدرَتَهُ وقُوَّتَهُ، وإنَّهُ هُوَ النّاصِرُ لِرَسولِهِ، لا تَقدِرونَ عَلى قَتلِهِ ولا مَنعِهِ مِن رِسالاتِهِ، فَهذا أبيَنُ في قُدرَتِهِ وفي عَجزِكُم، وسَوفَ يُظفِرُنِيَ اللّه‏ُ بِكُم فَاُوسِعكُم قَتلاً وأسرا، ثُمَّ يُظفِرُنِيَ اللّه‏ُ بِبِلادِكُم ويَستَولي عَلَيهَا المُؤمِنونَ مِن دونِكُم ودونِ مَن يُوافِقُكُم عَلى دينِكُم.


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
114

* وَلَوْ جَعَلْنَهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ»۱.
فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: يا عَبدَاللّه‏ِ، أمّا ما ذَكَرتَ مِن أنّي آكُلُ الطَّعامَ كَما تَأكُلونَ! وزَعَمتَ أنَّهُ لايَجوزُ لِأَجلِ هذا أن أكونَ للّه‏ِِ رَسولاً، فَإِنَّمَا الأَمرُ للّه‏ِِ تَعالى يَفعَلُ ما يَشاءُ ويَحكُمُ مايُريدُ، وهُوَ مَحمودٌ ولَيسَ لَكَ ولا لِأَحَدٍ الاِعتِراضُ عَلَيهِ بِلِمَ وكَيفَ. ألا تَرى أنَّ اللّه‏َ كَيفَ أفقَرَ بَعضا وأغنى بَعضا، وأعَزَّ بَعضا وأذَلَّ بَعضا، وأصَحَّ بَعضا وأسقَمَ بَعضا، وَشرَّفَ بَعضا ووَضَعَ بَعضا، وكُلُّهُم مِمَّن يَأكُلونَ الطَّعامَ.
ثُمَّ لَيسَ لِلفُقَراءِ أن يَقولوا: لِمَ أفقَرتَنا وأغنَيتَهُم ؟ ولا لِلوُضَعاءِ أن يَقولوا: لِمَ وَضَعتَنا وشَرَّفتَهُم ؟ ولا لِلزَّمنى وَالضُّعَفاءِ أن يَقولوا: لِمَ أزمَنتَنا وأضعَفتَنا وصَحَّحتَهُم ؟ ولا لِلأَذِلاّءِ أن يَقولوا: لِمَ أذلَلتنا وأعزَزتَهُم ؟ ولا لِقِباحِ الصُّوَرِ أن يَقولوا: لِمَ قَبَّحتَنا وجَمَّلتَهُم ؟ بَل إن قالوا ذلِكَ كانوا عَلى رَبِّهِم رادّينَ، ولَهُ في أحكامِهِ مُنازِعينَ، وبِهِ كافِرينَ، ولَكانَ جَوابُهُ لَهُم: [إنّي] أنَا المَلِكُ الخافِضُ الرّافِعُ، المُغنِي المُفقِرُ، المُعِزُّ المُذِلُّ، المُصَحِّحُ المُسقِمُ، وأنتُمُ العَبيدُ لَيسَ لَكُم إلاَّ التَّسليمُ لي والاِنقيادُ لِحُكمي، فَإِن سَلَّمتُم كُنتُم عِبادا مُؤمِنينَ، وإن أبَيتُم كُنتُم بي كافِرينَ، وبِعُقوباتي مِنَ الهالِكينَ.
ثُمَّ أنزَلَ اللّه‏ُ عَلَيهِ: يامُحَمَّدُ «قُلْ إِنَّمَآ أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ» يَعني آكُلُ الطَّعامَ «يُوحَى إِلَىَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَ حِدٌ»۲ يَعني قُل لَهُم: أنَا فِي البَشَرِيَّةِ

1.الأنعام : ۸ و ۹ .

2.الكهف : ۱۱۰ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9120
صفحه از 216
پرینت  ارسال به