111
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

ما جاءَ بِهِ، لِيَهونَ خَطبُهُ عَلى أصحابِهِ، ويَصغُرَ قَدرُهُ عِندَهُم، فَلَعَلَّهُ يَنزِ عُ عَمّا هُوَ فيهِ مِن غَيِّهِ وباطِلِهِ وتَمَرُّدِهِ وطُغيانِهِ، فَإِنِ انتَهى وإلاّ عامَلناهُ بِالسَّيفِ الباتِرِ.
قالَ أبو جَهلٍ: فَمَن ذَا الَّذي يَلي كَلامَهُ ومُجادَلَتَهُ ؟ قالَ عَبدُاللّه‏ِ بنُ أبي اُمَيَّةَ المَخزومِيُّ: أنَا إلى ذلِكَ، أفَما تَرضاني لَهُ قَرنا حَسيبا ومُجادِلاً كَفِيّا ؟ قالَ أبو جَهلٍ: بَلى، فَأَتوهُ بِأَجمَعِهِم، فَابتَدَأَ عَبدُاللّه‏ِ بنُ أبي اُمَيَّةَ المَخزومِيُّ فَقالَ: يا مُحَمَّدُ، لَقَدِ ادَّعَيتَ دَعوًى عَظيمَةً، وقُلتَ مَقالاً هائِلاً، زَعَمتَ أنَّكَ رَسولُ اللّه‏ِ رَبِّ العالَمينَ، وما يَنبَغي لِرَبِّ العالَمينَ، وخالِقِ الخَلقِ أجمَعينَ أن يَكونَ مِثلُكَ رَسولَهُ بَشَرا مِثلَنا، تَأكُلُ كَما نَأكُلُ، وتَشرَبُ كَما نَشرَبُ، وتَمشي فِي الأَسواقِ كَما نَمشي، فَهذا مَلِكُ الرّومِ وهذا مَلِكُ الفُرسِ لايَبعَثانِ رَسولاً إلاّ كَثيرَ المالِ عَظيمَ الحالِ، لَهُ قُصورٌ ودورٌ وفَساطيطُ وخِيامٌ وعَبيدٌ وخُدّامٌ، ورَبُّ العالَمينَ فَوقَ هؤُلاءِ كُلِّهِم [أجمَعينَ] فَهُم عَبيدُهُ، ولَو كُنتَ نَبِيّا لَكانَ مَعَكَ مَلَكٌ يُصَدِّقُكَ ونُشاهِدُهُ، بَل لَو أرادَ اللّه‏ُ أن يَبعَثَ إلَينا نَبِيّا لَكان إنَّما يَبعَثُ إلَينا مَلَكا لا بَشرا مِثلَنا. ما أنتَ يا مُحَمَّدُ إلاّ رَجُلٌ مَسحورا ولَستَ بِنَبِيٍّ ؟!
فَقالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: هَل بَقِيَ مِن كَلامِكَ شَيءٌ ؟ قالَ: بَلى، لَو أرادَ اللّه‏ُ أن يَبعَثَ إلَينا رَسولاً لَبَعَثَ أجَلَّ مَن فيما بَينَنا مالاً، وأحسَنَهُ حالاً، فَهَلاّ نُزِّلَ هذَا القُرآنُ الَّذي تَزعُمُ أنَّ اللّه‏َ أنزَلَهُ عَلَيكَ وَابتَعَثَكَ بِهِ رَسولاً ـ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَريَتَينِ عَظيمٍ. إمَّا الوَليدِ بنِ المُغيرَةِ بِمَكَّةَ،


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
110

مَّسْحُورًا»۱.
«وَ قَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءَانُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ»۲.وقَولُهُ عَزَّوجَلَّ: «وَ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنمبُوعًا» ـ إلى قَولِهِ ـ: «كِتَبًا نَّقْرَؤُهُو»۳.
ثُمَّ قيلَ لَهُ في آخِرِ ذلِكَ: لَو كُنتَ نَبِيّا كَموسى لَنَزَلَت عَلَينَا الصّاعِقَةُ في مَسأَلَتِنا إلَيكَ، لِأَنَّ مَسأَلَتَنا أشَدُّ مِن مَسائِلِ قَومِ موسى لِموسى عليه‏السلام.
قالَ: وذلِكَ أنَّ رَسولَ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله كانَ قاعِدا ذاتَ يَومٍ بِمَكَّةَ بِفِناءِ الكَعبَةِ، إذِ اجتَمَعَ جَماعَةٌ مِن رُؤَساءِ قُرَيشٍ، مِنهُمُ الوَليدُ بنُ المُغيرَةِ المَخزومِيُّ، وأبُو البَختَرِيِّ بنُ هِشامٍ، وأبو جَهلٍ، وَالعاصُ بنُ وائِلٍ السَّهمِيُّ، وعَبدُاللّه‏ِ بنُ أبي اُمَيَّةَ المَخزومِيُّ، وكانَ مَعَهُم جَمعٌ مِمَّن يَليهِم كَثيرٌ، ورَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في نَفَرٍ مِن أصحابِهِ يَقرَأُ عَلَيهِم كِتابَ اللّه‏ِ، ويُؤَدّي إلَيهِم عَنِ اللّه‏ِ أمرَهُ ونَهيَهُ.
فَقالَ المُشرِكونَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: لَقَدِ استَفحَلَ۴ أمرُ مُحَمَّدٍ وعَظُمَ خَطبُهُ، فَتَعالَوا نَبدَأ بِتَقريعِهِ وتَبكيتِهِ وتَوبيخِهِ وَالاِحتِجاجِ عَلَيهِ وإبطالِ

1.الفرقان : ۷ و ۸ .

2.الزخرف : ۳۱ .

3.الإسراء : ۹۰ ـ ۹۳ .

4.استفحل أمر العدوّ : إذا قوي واشتدّ لسان العرب : ۱۱ / ۵۱۷ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9133
صفحه از 216
پرینت  ارسال به