107
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

أن يَكونَ ذلِكَ مُحدَثا وهذا قَديما، وكَيفَ يَحتاجُ إلَى المَحالِ مَن لَم يَزَل قَبلَ المَحالِ، وهُوَ عَزَّوجَلَّ لا يَزالُ كَما لَم يَزَل ؟ وإذا وَصَفتُموهُ بِصِفَةِ المُحدَثاتِ فِي الحُلولِ، فَقَد لَزِمَكُم أن تَصِفوهُ بِالزَّوالِ [وَالحُدوثِ] ! وإذا وَصَفتُموهُ بِالزَّوالِ وَالحُدوثِ، وَصَفتُموهُ بِالفَناءِ ! لِأَنَّ ذلِكَ أجمَعُ مِن صِفاتِ الحالِّ وَالمَحلولِ فيهِ، وجَميعُ ذلِكَ يُغَيِّرُ الذّاتَ، فَإِن كانَ لَم يَتَغَيَّر ذاتُ الباري تَعالى بِحُلولِهِ في شَيءٍ، جازَ أن لا يَتَغَيَّرَ بِأَن يَتَحَرَّكَ ويَسكُنَ ويَسوَدَّ ويَبيَضَّ ويَحمَرَّ ويَصفَرَّ، وتَحِلَّهُ الصِّفاتُ الَّتيتَتَعاقَبُ عَلَى المَوصوفِ بِها، حَتّى يكونَ فيهِ جَميعُ صِفاتِ المُحدَثينَ، ويَكون مُحدَثا ـ عَزَّ اللّه‏َ تَعالى عَن ذلِكَ.
ثُمَّ قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: فَإِذا بَطَلَ ما ظَنَنتُموهُ مِن أنَّ اللّه‏َ يَحِلُّ في شَيءٍ، فَقَد فَسَدَ ما بَنَيتُم عَلَيهِ قَولَكُم.
قالَ: فَسَكَتَ القَومُ وقالوا: سَنَنظُرُ في اُمورِنا.
ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عَلَى الفَريقِ الثّاني فَقالَ [لَهُم]: أخبِرونا عَنكُم إذا عَبَدتُم صُوَرَ مَن كانَ يَعبُدُ اللّه‏َ فَسَجَدتُم لَهَا وصَلَّيتُم، فَوَضَعتُمُ الوُجوهَ الكَريمَةَ عَلَى التُّرابِ ـ بِالسُّجودِ لَها ـ فَمَا الَّذي أبقَيتُم لِرَبِّ العالَمينَ ؟ أما عَلِمتُم أنَّ مِن حَقِّ مَن يَلزَمُ تَعظيمُهُ وعِبادَتُهُ أن لا يُساوى بِهِ عَبدُهُ ؟ أرَأَيتُم مَلِكا أو عَظيما إذا ساوَيتُموهُ بِعَبيدِهِ فِي التَّعظيمِ وَالخُشوعِ وَالخُضوعِ، أيَكونُ في ذلِكَ وَضعٌ مِن حَقِّ الكَبيرِ كَما يَكونُ زِيادَةٌ في تَعظيمِ الصَّغيرِ ؟


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
106

قالَ: فَلَمّا قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله هذَا القَولَ اختَلَفوا، فَقالَ بَعضُهُم: إنَّ اللّه‏َ قَد حَلَّ في هَياكِلِ رِجالٍ كانوا عَلى هذِهِ الصُّوَرِ فَصَوَّرنا هذِهِ الصُّوَرَ، نُعَظِّمُها لِتَعظيمِنا تِلكَ الصُّوَرَ الَّتي حَلَّ فيها رَبُّنا.
وقالَ آخَرونَ مِنهُم: إنَّ هذِهِ صُوَرُ أقوامٍ سَلَفوا، كانوا مُطيعينَ للّه‏ِِ قَبلَنا فَمَثَّلنا صُوَرَهُم وعَبَدناها تَعظيما للّه‏ِ.
وقالَ آخَرونَ مِنهُم: إنَّ اللّه‏َ لَمّا خَلَقَ آدَمَ، وأمَرَ المَلائِكَةَ بِالسُّجودِ لَهُ فَسَجَدوهُ تَقَرُّبا بِاللّه‏ِ، كُنّا نَحنُ أحَقَّ بِالسُّجودِ لاِدَمَ مِنَ المَلائِكَةِ، فَفاتَنا ذلِكَ، فَصَوَّرنا صورَتَهُ فَسَجَدنا لَها تَقَرُّبا إلَى اللّه‏ِ، كَما تَقَرَّبَتِ المَلائِكَةُ بِالسُّجودِ لاِدَمَ إلَى اللّه‏ِ تَعالى، وكَما اُمِرتُم بِالسُّجودِ ـ بِزَعمِكُم ـ إلى جِهَةِ «مَكَّةَ» فَفَعَلتُم، ثُمَّ نَصَبتُم في غَيرِ ذلِكَ البَلَدِ بِأَيديكُم مَحاريبَ سَجَدتُم إلَيها وقَصَدتُمُ الكَعبَةَ لا مَحاريبَكُم، وقَصدُكُم بِالكَعبَةِ إلَى اللّه‏ِ عَزَّوجَلَّ لا إلَيها.
فَقالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: أخطَأتُمُ الطَّريقَ وضَلَلتُم، أمّا أنتُم ـ وهُوَ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله يُخاطِبُ الَّذينَ قالوا: إنَّ اللّه‏َ يَحِلُّ في هَياكِلِ رِجالٍ كانوا عَلى هذِهِ الصُّوَرِ الَّتي صَوَّرناها، فَصَوَّرنا هذِهِ الصُّوَرَ نُعَظِّمُها لِتَعظيمِنا لِتِلكَ الصُّوَرِ الَّتي حَلَّ فيها رَبُّنا ـ فَقَد وَصَفتُم رَبَّكُم بِصِفَةِ المَخلوقاتِ، أوَيَحِلُّ رَبُّكُم في شَيءٍ حَتّى يُحيطَ بِهِ ذلِكَ الشَّيءُ ؟! فَأَيُّ فَرقٍ بَينَهُ إذا وبَينَ سائِرِ ما يَحِلُّ فيهِ مِن لَونِهِ وطَعمِهِ ورائِحَتِهِ ولينِهِ وخُشونَتِهِ وثِقلِهِ وخِفَّتِهِ ؟ ولِمَ صارَ هذَا المَحلولُ فيهِ مُحدَثا وذلِكَ قَديما، دونَ

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9141
صفحه از 216
پرینت  ارسال به