105
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

ثُمَّ قالَ: وكَيفَ اختَلَطَ النُّورُ وَالظُّلمَةُ، وهذا مِن طَبعِهِ الصُّعودُ وهذِهِ مِن طَبعِهَا النُّزولُ ؟ أرَأَيتُم لَو أنَّ رَجُلاً أخَذَ شَرقا يَمشي إلَيهِ والآخَرُ غَربا، أكانَ يَجوزُ عِندَكُم أن يَلتَقِيا ما داما سائِرَينِ عَلى وُجوهِهِما ؟
قالوا: لا.
قالَ: فَوَجَبَ أن لا يَختَلِطَ النّورُ وَالظُّلمَةُ، لِذَهابِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما في غَيرِ جِهَةِ الآخَرِ، فَكَيفَ حَدَثَ هذَا العالَمُ مِنِ امتِزاجِ ما هُوَ مُحالٌ أن يَمتَزِجَ ؟ بَل هُما مُدَبِّرانِ جَميعا مَخلوقانِ ؟
فَقالوا: سَنَنظُرُ في اُمورِنا.
ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عَلى مُشرِكِي العَرَبِ فَقالَ: وأنتُم فَلِمَ عَبَدتُمُ الأَصنامَ مِن دونِ اللّه‏ِ ؟
فَقالوا: نَتَقَرَّبُ بِذلِكَ إلَى اللّه‏ِ تَعالى.
فَقالَ لَهُم: أوَهِيَ سامِعَةٌ مُطيعَةٌ لِرَبِّها، عابِدَةٌ لَهُ، حَتّى تَتَقَرَّبوا بِتَعظِيمِها إلَى اللّه‏ِ ؟
قالوا: لا.
قالَ: فَأَنتُمُ الَّذينَ نَحَتُّموها بِأَيديكُم ؟
قالوا: نَعَم. قالَ: فَلَئِن تَعبُدُكُم هِيَ ـ لَو كانَ تَجوزُ مِنهَا العِبادَةُ ـ أحرى مِن أن تَعبُدوها ! إذا لَم يَكُن أمَرَكُم بِتَعظيمِها، مَن هُوَ العارِفُ بِمَصالِحِكُم وعَواقِبِكُم وَالحَكيمُ فيما يُكَلِّفُكُم ؟!


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
104

كانَت تَكونُ صِفَتُهُ ؟
قالَ: فَبُهِتوا وعَلِموا أنَّهُم لا يَجِدونَ لِلمُحدَثِ صِفَةً يَصِفونَهُ بِها إلاّ وهِيَ مَوجودَةٌ في هذَا الَّذي زَعَموا أنَّهُ قَديمٌ، فَوَجَموا۱ وقالوا: سَنَنظُرُ في أمرِنا.
ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عَلَى الثَّنَوِيَّةِ ـ الَّذين قالوا: النّورُ وَالظُّلمَةُ هُمَا المُدَبِّرانِ ـ فَقالَ: وأنتُم فَمَا الَّذي دَعاكُم إلى ما قُلتُموهُ مِن هذا ؟
فَقالوا: لِأَنّا وَجَدنَا العالَمَ صِنفَينِ: خَيرا وشَرّا، ووَجَدنَا الخَيرَ ضِدّا لِلشَّرِّ، فَأَنكَرنا أن يَكونَ فاعِلٌ واحِدٌ يَفعَلُ الشَّيءَ وضِدَّهُ، بَل لِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما فاعِلٌ، ألا تَرى أنَّ الثَّلجَ مُحالٌ أن يَسخُنَ، كَما أنَّ النّارَ مُحالٌ أن تَبرَدَ، فَأَثبَتنا لِذلِكَ صانِعَينِ قَديمَينِ: ظُلمَةً ونورا.
فَقالَ لَهُم رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: أفَلَستُم قَد وَجَدتُم سَوادا وبَياضا وحُمرَةً وصُفرَةً وخُضرَةً وزُرقةً ؟ وكُلُّ واحِدَةٍ ضِدٌّ لِسائِرِها، لاِستِحالَةِ اجتِماعِ اثنَينِ مِنها في مَحَلٍّ واحِدٍ، كَما كانَ الحَرُّ والبَردُ ضِدَّينِ لاِستِحالَةِ اجتِماعِهِما في مَحَلٍّ واحِدٍ ؟
قالوا: نَعَم.
قالَ: فَهَلاّ أثبَتُّم بِعَدَدِ كُلِّ لَونٍ صانِعا قَديما، لِيَكونَ فاعِلُ كُلٍّ ضِدٍّ مِن هذِهِ الأَلوانِ غَيرَ فاعِلِ الضِّدِّ الآخَرِ ؟! قالَ: فَسَكَتوا.

1.الوُجوم : السكوت على غيظ لسان العرب : ۱۲ / ۶۳۰ .

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9140
صفحه از 216
پرینت  ارسال به