ثُمَّ قالَ: وكَيفَ اختَلَطَ النُّورُ وَالظُّلمَةُ، وهذا مِن طَبعِهِ الصُّعودُ وهذِهِ مِن طَبعِهَا النُّزولُ ؟ أرَأَيتُم لَو أنَّ رَجُلاً أخَذَ شَرقا يَمشي إلَيهِ والآخَرُ غَربا، أكانَ يَجوزُ عِندَكُم أن يَلتَقِيا ما داما سائِرَينِ عَلى وُجوهِهِما ؟
قالوا: لا.
قالَ: فَوَجَبَ أن لا يَختَلِطَ النّورُ وَالظُّلمَةُ، لِذَهابِ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما في غَيرِ جِهَةِ الآخَرِ، فَكَيفَ حَدَثَ هذَا العالَمُ مِنِ امتِزاجِ ما هُوَ مُحالٌ أن يَمتَزِجَ ؟ بَل هُما مُدَبِّرانِ جَميعا مَخلوقانِ ؟
فَقالوا: سَنَنظُرُ في اُمورِنا.
ثُمَّ أقبَلَ رَسولُ اللّهِ صلىاللهعليهوآله عَلى مُشرِكِي العَرَبِ فَقالَ: وأنتُم فَلِمَ عَبَدتُمُ الأَصنامَ مِن دونِ اللّهِ ؟
فَقالوا: نَتَقَرَّبُ بِذلِكَ إلَى اللّهِ تَعالى.
فَقالَ لَهُم: أوَهِيَ سامِعَةٌ مُطيعَةٌ لِرَبِّها، عابِدَةٌ لَهُ، حَتّى تَتَقَرَّبوا بِتَعظِيمِها إلَى اللّهِ ؟
قالوا: لا.
قالَ: فَأَنتُمُ الَّذينَ نَحَتُّموها بِأَيديكُم ؟
قالوا: نَعَم. قالَ: فَلَئِن تَعبُدُكُم هِيَ ـ لَو كانَ تَجوزُ مِنهَا العِبادَةُ ـ أحرى مِن أن تَعبُدوها ! إذا لَم يَكُن أمَرَكُم بِتَعظيمِها، مَن هُوَ العارِفُ بِمَصالِحِكُم وعَواقِبِكُم وَالحَكيمُ فيما يُكَلِّفُكُم ؟!