101
الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة

موسى أيضا ابنُهُ، وأن يَجوزَ أن تَقولوا عَلى هذَا المَعنى: إنَّهُ شَيخُهُ وسَيِّدُهُ وعَمُّهُ ورَئيسُهُ وأميرُهُ كَما قَد ذَكَرتُهُ لِليَهودِ.
فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ: وفِي الكُتُبِ المُنزَلَةِ أنَّ عيسى قالَ: «أذهَبُ إلى أبي».
فَقالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: فَإِن كُنتُم بِذلِكَ الكِتابِ تَعمَلونَ فَإِنَّ فيهِ: «أذهَبُ إلى أبي وأبيكُم» فَقولوا: إنّ جَميعَ الَّذينَ خاطَبَهُم عيسى كانوا أبناءَ اللّه‏ِ، كَما كانَ عيسَى ابنَهُ مِنَ الوَجهِ الَّذي كانَ عيسَى ابنَهُ، ثُمَّ إنَّ ما في هذَا الكِتابِ يُبطِلُ عَلَيكُم هذَا الَّذي زَعَمتُم أنَّ عيسى مِن جِهَةِ الاِختِصاصِ كانَ ابنا لَهُ، لِأَنَّكُم قُلتُم: إنَّما قُلنا: إنَّهُ ابنُهُ لِأَ نَّهُ اختَصَّهُ بِما لَم يَختَصَّ بِهِ غَيرَهُ، وأنتُم تَعلَمونَ أنَّ الَّذي خَصَّ بِهِ عيسى لَم يَخُصَّ بِهِ هؤُلاءِ القَومَ الَّذينَ قالَ لَهُم عيسى: أذهَبُ إلى أبي وأبيكُم»، فَبَطَلَ أن يَكونَ الاِختِصاصُ لِعيسى، لِأَ نَّهُ قَد ثَبَتَ عِندَكُم بِقولِ عيسى لِمَن لَم يَكُن لَهُ مِثلُ اختِصاصِ عيسى، وأنتُم إنَّما حَكَيتُم لَفظَةَ عيسى وتَأَوَّلتُموها عَلى غَيرِ وَجهِها، لِأَ نَّهُ إذا قالَ: «أبي وأبيكُم»، فَقَد أرادَ غَيرَ ما ذَهَبتُم إلَيهِ ونَحَلتُموهُ، وما يُدريكُم لَعَلَّهُ عَنى أذهَبُ إلى آدَمَ، أو إلى نوحٍ، وإنَّ اللّه‏َ يَرفَعُني إلَيهِم ويَجمَعُني مَعَهُم، وآدَمُ أبي وأبوكُم، وكَذلِكَ نوحٌ، بَل ما أرادَ غَيرَ هذا.
قالَ: فَسَكَتَ النَّصارى وقالوا: ما رَأَينا كَاليَومِ مُجادِلاً ولا مُخاصِما مِثلَكَ وسَنَنظُرُ في اُمورِنا.


الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
100

فَقالَ: فَإِذا قُلتُم ذلِكَ فَلِمَ مَنَعتُمونا مِن أن نَقولَ: إنَّ عيسَى ابنُ اللّه‏ِ ؟
فَقالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله: إنَّهُما لَن يَشتَبِها لِأَنَّ قَولَنا: إنَّ إبراهيمَ خَليلُ اللّه‏ِ، فَإِنَّما هُوَ مُشتَقٌّ مِنَ الخَلَّةِ أوِ الخُلَّةِ. فَأَمَّا الخَلَّةُ فَإِنَّما مَعناهَا الفَقرُ والفاقَةُ، فَقَد كانَ خَليلاً إلى رَبِّهِ فَقيرا [إلَى اللّه‏ِ] وإلَيهِ مُنقَطِعا، وعَن غَيرِهِ مُتَعَفِّفا مُعرِضا مُستَغنِيا، وذلِكَ لَمّا اُريدَ قَذفُهُ فِي النّارِ فَرُمِيَ بِهِ فِي المَنجَنيقِ فَبَعَثَ اللّه‏ُ تَعالى جَبرَئيلَ وقالَ لَهُ: أدرِك عَبدي، فَجاءَهُ فَلَقِيَهُ فِي الهَواءِ، فَقالَ: كَلِّفني ما بَدا لَكَ فَقَد بَعَثَنِي اللّه‏ُ لِنُصرَتِكَ.
فَقالَ: بَل حَسبِيَ اللّه‏ُ ونِعمَ الوَكيلُ، إنّي لا أسأَلُ غَيرَهُ، ولا حاجَةَ لي إلاّ إلَيهِ، فَسمّاهُ خَليلَهُ أي فَقيرَهُ ومُحتاجَهُ والمُنقَطِعَ إلَيهِ عَمَّن سِواهُ.
وإذا جُعِلَ مَعنى ذلِكَ مِنَ الخُلَّةِ [العالِم]، وهُوَ أنَّهُ قَد تَخَلَّلَ مَعانِيَهُ، ووَقَفَ عَلى أسرارٍ لَم يَقِف عَلَيها غَيرُهُ، كانَ مَعناهُ العالِمَ بِهِ وبِاُمورِهِ، ولا يوجِبُ ذلِكَ تَشبيهَ اللّه‏ِ بِخَلقِهِ، ألا تَرَونَ أنَّهُ إذا لَم يَنقَطِع إلَيهِ لَم يَكُن خَليلَهُ ؟ وإذا لَم يَعلَم بِأَسرارِهِ لَم يَكُن خَليلَهُ ؟ وأنَّ مَن يَلِدُهُ الرَّجُلُ وإن أهانَهُ وأقصاهُ لَم يَخرُج [بِهِ] عَن أن يَكونَ وَلَدَهُ، لِأَنَّ مَعنَى الوِلادَةِ قائِمٌ بِهِ ؟
ثُمَّ إن وَجَبَ ـ لِأَ نَّهُ قالَ لاِءِبراهيمَ خَليلي ـ أن تَقيسوا أنتُم فَتَقولوا: إنَّ عيسى ابنُهُ، وَجَبَ أيضا كَذلِكَ أن تَقولوا لِموسى إنَّهُ ابنُهُ، فَإِنَّ الَّذي مَعَهُ مِنَ المُعجِزاتِ لَم يَكُن بِدونِ ما كانَ مَعَ عيسى، فَقولوا: إنَّ

  • نام منبع :
    الحوار بین الحضارات فی الکتاب والسنة
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد محمّدی ری شهری، با همکاری: رضا برنجکار
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1394
    نوبت چاپ :
    قم
تعداد بازدید : 9155
صفحه از 216
پرینت  ارسال به