95
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

شاء اللّٰه تعالی ـ وهو ينافي هذه النسبة وهذا الطعن.

على أنّنا إذا لاحظنا روايات سهل بما يكتنفها من قرائن ـ لا بنظرة رجالية بحتة ـ فإنّ غالب رواياته محفوف بقرائن تورث الاطمئنان، على ما سيتّضح في الأبحاث اللاحقة إن شاء اللّٰه تعالى.

تذييل:

اشتهر القول بين المعاصرين من علمائنا بأن «الأمر في سهل سهل»، ولهذا قد نجد اختلاف تعاملهم مع روايات «سهل» عن تعاملهم مع روايات غيره، فما هي الجذور التاريخية لهذه المقولة؟ وهل هي مما اتّفق عليه العلماء؟

للإجابة علی هذين السؤالين تتبّعنا العبارة المذكورة في بعض الكتب الرجالية المتأخرة؛ كتنقيح المقال۱، وقاموس الرجال۲، ومعجم رجال الحديث۳، وغيرها، كما تتبّعناها في الكتب المختلفة في برنامجي «مكتبة أهل البيت علیهم السلام ۲» و «جامع فقه أهل البيت علیهم السلام»، فعثرنا عليها في كتب عديدة، نشير اليها تباعاً. إلّا أنّ الملفت للنظر هو أنّ جذور هذه العبارة لا تمتدّ من الناحية التاريخية لأكثر من أربعة قرون؛ فأقدم من وجدناه عبّر بهذا التعبير هو المولی محمّد تقي المجلسي۴ رحمه الله المتوفّی سنة ۱۰۷۰ه‍، ثمّ تلاه المولی محمّد باقر البهبهاني۵ رحمه الله المتوفّی سنة ۱۲۰۵ه‍، ثمّ تلاهما الميرزا القمي۶ رحمه الله المتوفّی سنة ۱۲۲۱ه‍، ثمّ

1.. تنقيح المقال : ج ج ۳۴ ص ۱۷۸ الترجمة ۸۸۰.

2.. قاموس الرجال: ج ۵ ص ۳۵۸ ـ ۳۶۲ ترجمة سهل بن زياد.

3.. معجم رجال الحديث: ج ۸ ص ۳۳۷ ـ ۳۵۳ الترجمة ۵۶۲۹.

4.. قال بعد إحدی الروايات: «رواه الكليني، عن البزنطي، عن الرضا صلوات اللّٰه عليه، وفي السند سهلٌ وهو سهلٌ كما تقدّم مراراً». روضة المتقين: ج ۴ ص ۴۰۷.

5.. قال بشأن إحدی الروايات: «لا يخفى أنّ هذه الرواية صحيحة أيضاً كما حقّقنا في الرجال، وجماعة من المحقّقين على أنّ ضعف سهلٍ سهلٌ، وأنّه من مشايخ الإجازة، يذكرونه لمجرّد اتّصال السند، وأنّه مقبول الرواية البتّة، فهي كالصحيحة عندهم» . حاشية مجمع الفائدة والبرهان: ص ۶۶۲ ـ ۶۶۳.
وكتب في مصابيح الظلام: «ورواية أبي عبيدة صحيحة عندي وعند من وافقني، ضعيفة على المشهور بسهل بن زياد، وضعف سهلٍ سهلٌ عند خالي العلَّامة رحمه الله ومن وافقه». مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع: ج ۸ ص ۳۹۴.

6.. فكتب في غنائم الأيّام في معرض كلامه عن إحدی روايات البزنطي: «وليس في سندها من يتأمّل فيه إلَّا سهلٌ، وهو سهلٌ». غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام: ج ۳ ص ۴۵۶ ـ ۴۵۷.
وكتب في موضع آخر بشأن رواية اُخری: «وهي صحيحة على ما رواه الشيخ في ميراث المرتد وفي طريقها على ما في أوّل باب حدّ المرتدّ ـ سهلُ بن زياد، وهو سهلٌ». معجم رجال الحديث : ج ۵ ص ۳۷۲.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
94

وليس في سندها من يمكن التوقّف فيه إلَّا سهل بن زياد، وهو مورد وثوق على الأصحّ۱.۲

أقول: هذا الوجه اجتهادي، ولا ريب أنّ الاطمئنان الحاصل من خلال تتبّع روايات سهل ومقارنتها بالروايات الأخری أقوی من الاطمئنان الحاصل من قول الرجالي. وسيأتي منّا في الفصول اللاحقة ما يدعم هذا القول.

زبدة المخاض

اتّضح ممّا تقدّم في هذا الفصل أنّ الذين طعنوا في سهل بن زياد تمسّكوا بعدّة وجوه، إلّا أنّها جميعاً مخدوشة، ولا شيء منها تامّ. وفي قبال ذلك ذكر آخرون وجوهاً عديدة لتوثيقه، وهي علی نحوين: فبعضها ممّا لا يمكن قبوله؛ كروايته عن أكثر من إمام، أو مكاتبة الإمام له بخطّ يده، فإنّنا نمنع دلالتهما على التوثيق. وبعضها مما يمكن الركون إليه والاعتماد عليه، وهي علی قسمين أيضاً: فقسم منها لا تتمّ دلالته على التوثيق إلّا بضمّ بعض المقدّمات إليه؛ نظير الاستناد لقول الإمام الصادق علیه السلام: «اعْرِفُوا منَازِلَ النَّاسِ عَلَى قَدرِ رِوايَتِهِمْ عَنّا» على اختلاف نصوصه؛ فإنّ دلالته على سموّ منزلة سهل لا تتمّ إلّا بعد إثبات أنّ سهلاً كان يفهم الروايات فهماً دقيقاً، إلّا أن المستدلّ لم یقدّم شاهداً على ذلك. والقسم الآخر دالّ علی التوثيق من دون حاجة لضم شيء إليه؛ نظير إكثار المحدّثين النقل عنه، فإنه كاشف عن وثاقته دون شكّ، خاصّة وأنّ عدداً منهم من الأجلّاء، كالكليني والصدوق.

وأمّا ما نقل عن أحمد بن محمّد بن عيسى من نسبة الكذب والغلوّ إليه وإخراجه من قم، فقد تقدّم الجواب عليه. مع أنّنا لا نجد فيمن عاصره محدّثاً آخر طعن في سهل نظير طعن أحمد الأشعري، مع كثرة المحدّثين في قم والريّ، فلو كان سهل كذاباً غالياً لطعنوا عليه ولتعاملوا معه بنفس تعامل أحمد الأشعري، في حين أنّنا لا نجد ذلك، بل نجد خلافه؛ فنری في طريق كتاب سهل عدداً من أجلّاء قم والريّ وبغداد ـ كما ستأتي الإشارة إليه لاحقاً إن

1.. كتاب الطهارة ( ط. ج ) ـ السيّد الخميني ـ : ج ۱ ص ۷۱ - ۷۲

2.. انتفعنا في بيان هذا الوجه علی ما جاء في مقال «مباني رجالي امام خميني رحمه الله» لنعمة اللّٰه صفري الفروشاني/ مجلة علوم حديث ـ العدد ۱۴.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19489
صفحه از 348
پرینت  ارسال به