91
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

سواء القرائن المتوفّرة في نفس النصّ أو في غيره من النصوص، فنقول:

أ ـ القرائن الداخلية

نسلّط الأضواء هنا على القرائن الموجودة في نفس النصّ أوّلاً؛ لنرى هل أنّ ما ذكره المحدّث النوري رحمه الله موافق للوارد في الرواية التي استدلّ بها، أم لا؟

۱ ـ بملاحظة الرواية نجد أنّ التعبير: «على قدر روايتهم» جاء مقروناً بالمعرفة؛ حيث قال علیه السلام: «عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ». كما ورد في نسخة كتاب الغيبة للنعماني مقروناً بعبارة: «و فهمهم منّا»، وعليه فالمعيار في معرفة منازل الأشخاص ليس هو الرواية المجرّدة، وإنّما هو الرواية والمعرفة معاً. ولهذا جاء في رواية رجال الكشّي:

قال الصادق علیه السلام:

۰.اعْرِفُوا مَنَازِلَ شِيعَتِنَا بِقَدْرِ مَا يُحْسِنُونَ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَنَّا....۱

بناء على ذلك فإنّ المراد بقوله: «على قدر روايتهم عنّا» ليس هو مجرّد نقل الرواية عن أهل البيت علیهم السلام كما ادّعي، وإنّما هو الرواية المقترنة بالمعرفة والدراية، وأمّا نقل الرواية المجرّد عن ذلك فالرواية المذكورة لا تدلّ على کونه معیاراً لتقييم الأشخاص، فضلاً عن دلالتها على سموّ مرتبتهم كما ادّعي.

۲ ـ جاءت العبارة التالية في ذيل النصّ:

۰.إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ لِعَلِيٍّ علیه السلام فَوَجَدْتُ فِيهِ: أَنَّ زِنَةَ كُلِّ امْرِئٍ وَ قَدْرَهُ مَعْرِفَتُهُ، إِنَّ اللّٰه‌ عزّ و جلّ يُحَاسِبُ الْعِبَادَ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي دَارِ الدُّنْيَا.

وهذه العبارة لا تنسجم مع كون المراد بالرواية مجرّد نقل النصوص؛ حيث جعل الإمام قيمة كلّ امرئ بالمعرفة، لا مقدار الألفاظ التي ينقلها للآخرين.

وعليه فالقرائن الداخلية تشهد بأنّ المراد من المعيار المذكور فيها ليس هو مجرّد نقل الرواية، وإنّما هو الرواية المقترنة بالمعرفة والفهم، فما لم يثبت ذلك لسهل بن زياد لا يمكننا عدّ كثرة رواياته دليلاً على سموّ مرتبته.

1.. رجال الكشّي: ص۳ ح۲.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
90

الكافي هو: «مَنَازِلَ الناسِ»، والوارد في كتاب الغيبة هو: «مَنَازِلَ شيعتنا عندنا». كما وردت الزيادة «و فهمهم منّا» في كتاب الغيبة وهي غير موجودة في الكافي.

سؤال: هل الاستدلال المذكور منسجم مع كلتا النسختين أم مع إحداهما فقط؟

الجواب: الاستدلال المذكور إنّما يتمّ مع كون النسخة الصحيحة للحديث هي نسخة الكافي والتي لم يرد فيها «و فهمهم منّا»؛ لأنّ المعيار في التقييم إن كان هو الفهم مضافاً للنقل، فالمحدّث النوري لم يثبت أنّ سهلاً كان يتمتّع بهذا النوع من الفهم للأحاديث كي تثبت له هذه المنزلة. وعليه فلابدّ من إثبات أنّ الصادر من الإمام هو النصّ الخالي عن هذه الفقرة، وأنّ النصّ المشتمل على هذه الفقرة غير ثابت.

النصّ الكامل للرواية

بعد الفراغ عن صدور النصّ يقع البحث في متنه، وهل هو كامل أم ناقص؟ فقد تمّ تقطيع الكثير من الأحاديث ممّا قد ينتهي بنا لاستلهام معنى غير مقصود منها، فهذه الرواية أوردها المحدّث النوري نقلاً عن أصل زيد الزرّاد، وبتخريجها وجدنا نصّها الكامل في نفس مستدرك الوسائل كالتالي:

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّٰه علیه السلام قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ علیه السلام:

۰.يَا بُنَيَّ، اعْرِفْ مَنَازِلَ شِيعَةِ عَلِيٍّ علیه السلام عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ ـ إِلَى أَنْ قَالَ ـ: إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ لِعَلِيٍّ علیه السلام فَوَجَدْتُ فِيهِ: إنَّ زِنَةَ كُلِّ امْرِئٍ وَ قَدْرَهُ مَعْرِفَتُهُ، إِنَّ اللّٰه عَزَّ وَ جَلَّ يُحَاسِبُ الْعِبَادَ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي دَارِ الدُّنْيَا.۱

وبهذا يتّضح أنّ النصّ الذي أورده في مقام الاستدلال مقطّع، وتمامه هو ما رواه في موضع آخر من المستدرك، والعبارة الواردة في ذيل الخبر لها دور فاعل في تعيين المراد من قوله: «روايتهم عنا» الوارد في صدر الخبر.

القرائن الموجودة في الرواية

بعد أن اتّضح وجود الحديث في مصادر عديدة وبطرق مختلفة يمكن من خلالها الوثوق بصدوره، واتّضح النصّ الكامل للحديث، یأتي الکلام في القرائن الدالة على المقصود منه،

1.. مستدرك الوسائل: ج۱ ص۸۴ ح۳۸ باب اشتراط العقل في تعلّق التكليف.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19499
صفحه از 348
پرینت  ارسال به