سواء القرائن المتوفّرة في نفس النصّ أو في غيره من النصوص، فنقول:
أ ـ القرائن الداخلية
نسلّط الأضواء هنا على القرائن الموجودة في نفس النصّ أوّلاً؛ لنرى هل أنّ ما ذكره المحدّث النوري رحمه الله موافق للوارد في الرواية التي استدلّ بها، أم لا؟
۱ ـ بملاحظة الرواية نجد أنّ التعبير: «على قدر روايتهم» جاء مقروناً بالمعرفة؛ حيث قال علیه السلام: «عَلَى قَدْرِ رِوَايَتِهِمْ وَ مَعْرِفَتِهِمْ». كما ورد في نسخة كتاب الغيبة للنعماني مقروناً بعبارة: «و فهمهم منّا»، وعليه فالمعيار في معرفة منازل الأشخاص ليس هو الرواية المجرّدة، وإنّما هو الرواية والمعرفة معاً. ولهذا جاء في رواية رجال الكشّي:
قال الصادق علیه السلام:
۰.اعْرِفُوا مَنَازِلَ شِيعَتِنَا بِقَدْرِ مَا يُحْسِنُونَ مِنْ رِوَايَاتِهِمْ عَنَّا....۱
بناء على ذلك فإنّ المراد بقوله: «على قدر روايتهم عنّا» ليس هو مجرّد نقل الرواية عن أهل البيت علیهم السلام كما ادّعي، وإنّما هو الرواية المقترنة بالمعرفة والدراية، وأمّا نقل الرواية المجرّد عن ذلك فالرواية المذكورة لا تدلّ على کونه معیاراً لتقييم الأشخاص، فضلاً عن دلالتها على سموّ مرتبتهم كما ادّعي.
۲ ـ جاءت العبارة التالية في ذيل النصّ:
۰.إِنِّي نَظَرْتُ فِي كِتَابٍ لِعَلِيٍّ علیه السلام فَوَجَدْتُ فِيهِ: أَنَّ زِنَةَ كُلِّ امْرِئٍ وَ قَدْرَهُ مَعْرِفَتُهُ، إِنَّ اللّٰه عزّ و جلّ يُحَاسِبُ الْعِبَادَ عَلَى قَدْرِ مَا آتَاهُمْ مِنَ الْعُقُولِ فِي دَارِ الدُّنْيَا.
وهذه العبارة لا تنسجم مع كون المراد بالرواية مجرّد نقل النصوص؛ حيث جعل الإمام قيمة كلّ امرئ بالمعرفة، لا مقدار الألفاظ التي ينقلها للآخرين.
وعليه فالقرائن الداخلية تشهد بأنّ المراد من المعيار المذكور فيها ليس هو مجرّد نقل الرواية، وإنّما هو الرواية المقترنة بالمعرفة والفهم، فما لم يثبت ذلك لسهل بن زياد لا يمكننا عدّ كثرة رواياته دليلاً على سموّ مرتبته.