87
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

لكشفها غالباً عن اهتمامه باُمور الدين، وسعيه في نشر آثار السادات الميامين، وهو فضيلة عظيمة توصل صاحبها إلى مقام عليٍّ... قال العلّامة الطباطبائي في رجاله: «مضافاً إلى كثرة رواياته في الفروع والاُصول وسلامتها عن وجوه الطعن والتضعيف خصوصاً عمّا غمز به من الارتفاع والتخليط، فإنّها خالية عنهما، وهي أعدل شاهد على براءته عمّا قيل فيه».۱

أقول: لا شكّ أنّ كثرة الرواية عن النبيّ وأهل بيته علیهم السلام أمر ممدوح، ويكسب الراوي نورانية الحديث، إنّما الكلام في النقطة التالية: هل أنّ كثرة الرواية توجب توثيق الراوي والاعتماد عليه ـ كما هو المطلوب في محلّ البحث ـ أم لا ؟ وهل أنّ نقل الرواية يوجب علوّ مقام الراوي أم لا؟

الجواب: الذي يظهر لأوّل وهلة من النصوص التي رواها المحدّث النوري في هذا المجال هو أنّها توجب سموّ مقامه، ورفعة شأنه؛ حيث إنّ مفاد قول الإمام الصادق علیه السلام لولده الباقر علیه السلام: «يا بنيّ، اعرف منازل شيعة عليّ علیه السلام على قدر روايتهم ومعرفتهم» هو أنّ كثرة الرواية معيار لتقييم منزلة الشخص، فكلّما ازدادت الرواية ازدادت المنزلة. والسؤال المطروح هو: هل المراد من الرواية المذكورة بيان هذا المعنى، أم بيان شيء آخر؟

الجواب عليه يعتمد على فهمنا للحديث وفق المباني المذكورة في فقه الحديث، إلّا أنّنا إذا حلّلنا كلام المحدّث النوري واستدلاله بالرواية المذكورة وجدناه يعتمد على ثلاث ركائز، هي:

۱ ـ أنّ المراد من قوله: «على قدر روايتهم عنّا» هو مجرّد نقل الرواية.

۲ ـ أنّ كثرة نقل الرواية تلازم سموّ منزلة الراوي.

۳ ـ أنّ سموّ المنزلة يلازم الوثاقة.

فلابدّ من دراسة هذه النقاط الواحدة تلو الاُخرى؛ لنرى سلامة الاستدلال المذكور، فإن تمّت جميعاً تمّ الاستدلال، وإلّا فلا.

1.. خاتمة المستدرك: ج۵ ص۲۲۴ ـ ۲۲۵. واُنظر: تنقيح المقال: ج۳۴ ص۱۸۹.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
86

والعقلاء عمل هذا العالم، ولم يروه منافياً لجلالته، كما نجده في سيرة العلماء وأساتذة الجامعات وغيرهم.

وبعبارة اُخرى: أنّ العرف يرى فرقاً بين أنحاء النقل عن مجهول الحال، فإذا كان هو الناقل للمطلب، والكلام المنقول يستند إليه مباشرة، فإنّ العرف يرى قبح إكثار نقل الجليل عنه. وأمّا إذا لم يكن كذلك بل كان دور المجهول في نقل الكلام ضعيفاً، كما لو كان صاحب مطبعة وطبع كتاباً قيّماً، فإنّهم يعتمدون على الكتاب، ولا يرون في اعتماد العالم والجليل على هذه الطبعة منافياً لجلالته، حتّى وإن أكثر من النقل عنه. ولهذا نجدهم ينقلون عن الكتب المختلفة مع جهلهم بحال ناشريها. والواقع الخارجي خير شاهد لما ذكرناه، فأكثر الكتب التي يعتمدها العلماء هي من طبعات لا يعرفون ناشريها، خاصّة بعد اتّساع رقعة النشر وكثرة دور النشر في البلدان المختلفة، بل قد يعرفون فسق الناشر۱ ومع ذلك يعتمدون الكتاب، كما نلاحظه في الكتب المطبوعة في اُوربا، بل وبعض البلدان الإسلامية.

وعليه فما ذكره من أنّ رواية الأجلّاء عنه دليل على وثاقته ـ وإلّا فهو ينافي جلالتهم ـ إنّما يتمّ فيما إذا كان دور سهل في نقل الحديث من النوع الأوّل، لا ما كان من النحو الثاني، فإن إكثار الأجلّاء الرواية عنه لا تدلّ على وثاقته عندئذٍ، أو فقل: الدليل المذكور ليس تامّاً على إطلاقه، وإنّما هو تامّ على بعض الوجوه.

الوجه السادس: إنّه كثير الرواية

من الوجوه المذكورة لوثاقة «سهل» هي: أنّه كثير الرواية، فكتب المحدّث النوري قائلاً:

وكونه كثير الرواية جدّاً، وأكثرها سديدة مقبولة مفتى بها كما صرّح في التعليقة، وقد ورد في النصوص أنّ منزلة الرجال على قدر روايتهم عنهم علیهم السلام؛ (ثمّ روى عدّة روايات بهذا المضمون وقال:) وظاهر الجميع كون كثرة الرواية عنهم علیهم السلام مع الواسطة أو بدونها مدحاً عظيماً، كما عليه علماء الفنّ، فإنّهم عدّوها من أسبابه؛

1.. كما في الكتب المطبوعة في دور النشر الغربية، بل بعض دور النشر في البلدان الإسلامية أيضاً.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19514
صفحه از 348
پرینت  ارسال به