85
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

الوجه الخامس: رواية الأجلّاء عنه

من الوجوه المذكورة لوثاقة «سهل» أنّ الكليني رحمه الله مع نهاية احتياطه في أخذ الرواية واحترازه عن المتّهمين ـ كما هو ظاهر ومشهور ومصرّح به في ترجمته ـ قد أكثر الرواية عنه سيما في كافيه الذي قال في صدره ما قال.۱

وذكره بعضهم بشكل آخر فقال:

إنّ أجلّاء هذه الطبقة رووا عنه، وذكر العناوين التالية باعتبارهم مصداقاً لذلك: الفضل بن شاذان، وشيخ الأشعريين محمّد بن يحيى العطّار، وشيخ أصحابنا ووجههم بقم الحسن بن متيل القمّي، ومحمّد بن الحسن الصفّار، ومحمّد بن عليّ بن محبوب، وعليّ بن إبراهيم، وأبو الحسين محمّد بن جعفر الأسدي، ومحمّد بن قولويه، ومحمّد بن الحسن بن الوليد، أو ابن عليّ بن مهزيار، وأبو الحسن عليّ بن محمّد بن إبراهيم الرازي المعروف بعلّان، بل وثقة الإسلام الكليني، وأحمد بن أبي عبد اللّٰه، ومحمّد بن أحمد بن يحيى، وسعد بن عبد اللّٰه، والحسين بن الحسن بن بندار القمّي من مشايخ الكشّي، ومحمّد بن عقيل الكليني من مشايخ ثقة الإسلام. وقال: إنّ اعتماد المشايخ العظام عليه وإكثارهم من الرواية عنه كاشف عن وثاقته. ۲

أقول: لا ريب أنّ العرف يرى قبح إكثار نقل الجليل الرواية عن مجهول الحال، ويراه منافياً للجلالة، فمثلاً: إذا أكثر أحد المراجع الكبار في عصرنا الحاضر النقل عن رجل مجهول الحال، فإنّ العرف يستهجن ذلك منه ويراه منافياً لجلالته. وهذا الأمر لا يخصّ مجالاً دون آخر، وعالماً دون عالم، بل هو سيرة عقلائية سائدة في المجتمع، المتشرّع منهم وغير المتشرّع.

نعم، إذا اعتمد هذا العالم أو الوجيه في النقل على مقالة علمية نشرت في مجلّة أو كتاب أو موسوعة، وكان ناشر الكتاب أو المجلّة مجهول الحال، لم يستهجن العرف

1.. تنقيح المقال: ج۳۴ ص۱۹۰.

2.. اُنظر: خاتمة المستدرك: ج۵ ص۲۲۲.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
84

وعلی فرض فساد عقيدة «سهل» وانحرافه فإنّه لم يثبت كونه ذا منزلة اجتماعية، كي يكون ذا أثر سلبي علی المجتمع كي يستكشف من عدم ذمّ المعصوم له مدحه. ولهذا فلا يمكن إثبات وثاقته من خلال عدم ذمّ الأئمّة علیهم السلام له وبهذا ننتهي الی عدم تمامیة هذا الوجه لتوثیق سهل بن زیاد.

الوجه الرابع: مكاتبته للإمام العسكريّ علیه السلام

من الأدّلة المذكورة لوثاقة «سهل» هو أنّ النجاشي ذكر في ترجمة «سهل» العبارة التالية: «وقد كاتب أبا محمّد العسكري علیه السلام على يد محمّد بن عبد الحميد العطّار».۱ فقيل: إنّ مكاتبته إيّاه علیه السلام وسؤاله عن مسائل التوحيد، واعتناؤه علیه السلام بجوابه بخطّه المبارك لا يجتمع قطعاً مع ما نسب إليه من الغلوّ والكذب.۲

والنقطة التي استند إليها هذا الدليل ـ لاستظهار الوثاقة ـ هي مكاتبة «سهل» للإمام وسؤاله عن مسائل التوحيد واهتمام الإمام بجوابه، وذلك بأن أجابه بخطّ يده، وكلّ ذلك لا يجتمع مع ما نسب إليه من الغلوّ والكذب.

السؤال المطروح: هل يوجد تلازم خارجي بين مكاتبة الإمام وسؤاله عن مسألة توحيدية وبين سلامة العقيدة من الغلوّ، أم لا ؟

الجواب: إذا راجعنا التأريخ والروايات وجدنا بعض النماذج الدالّة على خلاف ذلك، فالذي يراجع تأريخ أهل البيت علیهم السلام يجد أنّ أخلاقهم أسمى وأرفع بكثير من إلّا يجيبوا مكاتبة رجل مخالف لهم، بل أرفع من ألّا يجيبوا رجلاً من أعدائهم، فضلاً عن أتباعهم، وما نقله التأريخ من مكاتبات أمير المؤمنين علیه السلام لمعاوية خير شاهد على ذلك. فمجرّد جواب الإمام ل«سهل» بخطّ يده لا يدلّ على مدحه، أو سلامة عقيدته، وإلّا لدلّ جواب أمير المؤمنين علیه السلام لمكاتبات معاوية على مثل ذلك.

نعم، سؤاله عن مسألة توحيدية قد يشعر بعدم غلوّه، إلّا أنّه لا يدلّ على سلامة عقيدته.

1.. رجال النجاشي: ص۱۸۵ الترجمة ۴۹۰.

2.. خاتمة المستدرك: ج۵ ص۲۱۶ ـ ۲۱۸. واُنظر: تنقيح المقال: ج۳۴ ص۱۹۰.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19478
صفحه از 348
پرینت  ارسال به