والكوفة مع كثرة المحدّثين فيها، ممّا يكشف عن أن تصرّف أحمد الأشعري مع «سهل» جاء باعتباره شخصية سياسية وأمير البلد، لا باعتباره محدّثاً كباقي المحدّثين.
على أنّ أحمد الأشعري ليس معصوماً وليس فعله حجّة علينا، فلابدّ أن نقيّم تصرّفه المذكور بما له من قيمة عند العقلاء. نعم، لو كان إخراجه بأمر الإمام المعصوم لتعاملنا معه بشكل آخر.
علماً أنّ النجاشي عبّر بقوله: «و كان أحمد بن محمّد بن عيسى... و أخرجه من قم إلى الريّ، و كان يسكنها»، فعبّر بالإخراج ولم يعبّر بالطرد والنفي ونحوهما، والإخراج أعمّ منهما. مع أنّ البعض تعاملوا مع هذا التصرّف باعتباره طرداً، فلابدّ من إمعان النظر في التعبير المذكور.
نعم، يبقى التساؤل التالي: لماذا أخرج أحمد الاشعري سهلاً إلى الريّ القريبة من قم، ولم يخرجه إلى مدن بعيدة؟ فلو كان إخراجه من قم بسبب غلوّه وكذبه وضعفه، ولأجل منع الرواة عن النقل عنه، فلماذا لم يبعده إلى مدن نائية؟ علماً أنّ الريّ تضمّ عدداً من المحدّثين آنذاك.
يرى اُستاذ علم الرجال الفاضل علي رضا الحسيني۱ أنّ السبب في ذلك لا يرجع للنقطة المذكورة، وإنّما هو ضمن خطّة مبرمجة لنشر الحديث في الريّ، ولهذا فإنّه أخرج أحمد بن محمّد بن خالد البرقي إلى الريّ أيضاً، وكلاهما من المكثرين لنقل الحديث. وهذه النقطة تحتاج إلى متابعة أكثر في القرائن والشواهد التاريخية والحديثية.
وأمّا وصفه بالغلوّ والكذب فقد اتّضح أنّهما مستعملان بمعانٍ عديدة، لا خصوص ما تنصرف إليه أذهاننا في العصر الحاضر، وأنّ المراد من الكذب ليس هو تعمّد نقل المطالب المخالفة للواقع، بل هو بمعنى الخطأ في النقل.
كما أنّ المراد من الغلوّ ليس هو الغلوّ العقيدي كما هو المتبادر في هذا العصر؛ إذ لا نجد له رواية دالّة على ذلك، بل الموجود منها على خلافه، فالمراد به هو الغلوّ الأفعالي على ما يبدو.