65
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

صالح بن سلمة أبي حمّاد الرازي كما كنّي، و قال عليّ: كان أبو محمّد الفضل يرتضيه و يمدحه، و لا يرتضي أبا سعيد الآدمي، و يقول: هو الأحمق.۱

فوصفه بالأحمق كاشف عن ضعفه، وهو من الأوصاف الدالّة علی الذمّ.

واُجيب عنه بأنّه لا دلالة فيه علی القدح في دينه أو تقواه؛ لأنّ المعهود إطلاق هذا اللفظ في مقام التنبيه علی البلادة، لا الفسق أو فساد العقيدة.۲

أقول: قبل إبداء النظر في الجواب المذكور علينا أن نجيب على السؤال التالي: هل التعبير بالأحمق في كتب الرجال هو من تعابير ذمّ الراوي والطعن فيه، أم أنّه ليس كذلك؟

الجواب: لأجل أن تكون الإجابة واضحة وعلمية نرى من الضروري تسليط الأضواء علی معناه لغة، مضافاً لمتابعة هذا التعبير في كتب الرجال ودراسة العبارات الواردة بلحاظ القرائن الموجودة فيها، فنقول:

أ ـ الأحمق لغة:

كتب ابن منظور في بيان الحمق ما يلي:

الحُمْقُ: ضدّ العَقْل. الجوهري: الحُمْقُ و الحُمُقُ: قلّة العقل، حَمُقَ يَحْمُق حُمْقاً و حُمُقاً و حَماقةٌ و حمِقَ و انْحَمَقَ و اسْتَحْمَقَ الرجل؛ إِذا فَعَلَ فِعْلَ الحَمْقَى... وحقيقة الحُمق: وضع الشيء في غير موضعه مع العلم بقُبْحه.۳

وفي مجمع البحرين:

في الحديث: «ينبغي للمسلم مجانبة الأحمق فإنّه لايشير عليك بخير» الأحمق من يسبق كلامه فكره، و هو من لا يتأمّل عند النطق هل ذلك الكلام صواب أم لا فيتكلّم به من غفلة. و الحمق ـ بالضمّ وبضمّتين ـ: قلّة العقل و فساده. و منه الحديث: «النوم بعد العصر حمق»؟ أي فساد عقل.۴

1.. رجال الكشّي: ج۱ ص۵۶۶ الرقم۱۰۶۸، الخلاصة: ج۱ ص۲۳۰ ترجمة صالح بن محمّد بن سهل الهمداني.

2.. اُنظر: تنقيح المقال: ج۳۴ ص۱۸۶، خاتمة المستدرك: ج۵ ص۲۲۵ ـ ۲۲۶.

3.. لسان العرب: ج۱۰ ص۶۷ «حمق».

4.. مجمع البحرين: ج۵ ص۱۵۲ «حمق».


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
64

من سهل وأحمد بن محمّد بن خالد، وأنّ مسلكهما ضعيف وغير مقبول. وعليه فلا دلالة في فعل أحمد الأشعري على تضعيف «سهل» في نفسه كما لا يخفى.

أضف إلى ذلك أنّ الفعل الواحد الصادر من أمير القوم يختلف تقييمه عمّا إذا صدر من أحد عوامّ الناس؛ إذ قد يجب علی الأمير ما لا يجب على غيره، بل قد لا ينبغي لغيره، وما هو إلّا بمقتضیٰ مقامه ومنزلته، وهذا ما نستوحيه من قول أمير المؤمنين علیه السلام لعاصم في الرواية المشار إليها آنفاً:

۰.«إِنَّ اللّٰه عزّ و جلّ فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ العَدلِ أَن يُقَدِّرُوا أَنفُسَهُم بِضَعَفَةِ النَّاسِ؛ كَي لا يَتَبَيَّغَ بِالفَقِيرِ فَقرُهُ».

فالأمير قد تلزمه بعض الاُمور التي لا تلزم غيره، فلا ينبغي تقييم إخراجه ل«سهل» بمعزل عن هذه المقتضيات.

الملاحظة الثانية: إجابة الإمام لمكاتبة «سهل» بخطّ يده لا تدلّ على إجلاله له، كما تقدّم بيانه. فلو تنزّلنا وقلنا: إنّ جواب الإمام ل«سهل» بخطّ يده دالّ على الإجلال، فإنّ المقارنة بين إخراج أحمد ل«سهل» وكتابة الإمام جوابه بخطّ يده، مقارنة خاطئة؛ لأنّ لكلّ من الإجلال والإهانة مراتب عديدة كما هو واضح، والإجلال والاحترام بكتابة الجواب بخطّ اليد هو من أضعف مراتب الإجلال، بل لا يلتفت إلى كونه احتراماً وتجليلاً إلّا القليل، بخلاف الإخراج من قم فإنّه من المراتب الشدیدة للإهانة.

الملاحظة الثالثة: إن للغلوّ مراتب عديدة كما سبق، والمذموم هو بعض مراتبه دون الآخر.

وبهذا ينتهي الكلام في الوجه الثالث من وجوه الطعن في سهل بن زياد. واتضح ممّا ذکرناه عدم تمامیة هذا الوجه أیضاً.

الوجه الرابع: كونه أحمق

نقل الكشّي عن القتيبي عبارة في حقّ «أبي الخير صالح بن سلمة أبو حمّاد الرازي» جاء فيها:

قال عليّ بن محمّد القتيبي: سمعت الفضل بن شاذان يقول في أبي الخير: و هو

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19494
صفحه از 348
پرینت  ارسال به