63
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

العلماء والمحدّثين أن يبرزوا ردّ فعل مناسب تجاه ذلك، ولاريب أنّ التساهل في نقل الحديث وروايته يسبّب ضياع الحديث، فلابدّ من مواجهته بالنحو المناسب؛ نظراً لخطورته البالغة.

وبما أنّ سهلاً ضعيف في الحديث۱، فقد واجهه أحمد الأشعري بهذه المواجهة فأخرجه من قمّ؛ وما ذاك إلّا ليبيّن للرواة أهمّية حفظ الحديث ورعايته، ولزوم الدقّة والتشدّد وعدم التسامح في نقله.

وبعبارة أُخرى: إخراج «سهل» من قم هو للتنديد والردع عن التساهل في نقل الحديث.

ويشهد لما ذكرناه أنّ أحمد بن محمّد بن عيسى واجه أحمد بن محمّد بن خالد بفعل مشابه، حيث أخرجه من قم أيضاً بسبب نقله عن الضعفاء، قال الشيخ في ترجمته:

أحمد بن محمّد بن خالد بن عبد الرحمن بن محمّد بن عليّ البرقي، أبو جعفر، أصله كوفي، و كان جدّه محمّد بن عليّ حبسه يوسف بن عمر والي العراق بعد قتل زيد بن عليّ بن الحسين علیه السلام ثمّ قتله، و كان خالد صغير السن، فهرب مع أبيه عبد الرحمن إلى برقة قم فأقاموا بها، و كان ثقة في نفسه غير أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل. و صنّف كتباً كثيرة، منها المحاسن و غيرها....۲

فصرّح الشيخ بأنّه ثقة في نفسه إلّا أنّه أكثر الرواية عن الضعفاء واعتمد المراسيل، ولهذا أبعده أحمد الأشعري من قم، كما صرّح بذلك ابن الغضائري حيث قال:

أحمد بن محمّد بن خالد بن محمّد بن عليّ البرقي يكنّى أبا جعفر. طعن القمّيون عليه، و ليس الطعن فيه، إنّما الطعن في من يروي عنه، فإنّه كان لا يبالي عمّن يأخذ على طريقة أهل الأخبار. و كان أحمد بن محمّد بن عيسى أبعده عن قم، ثمّ أعاده إليها و اعتذر إليه.۳

فهذا الإبعاد تعبير واضح من قبل أحمد الأشعري عن عدم ارتضائه للمباني الحديثية لكلّ

1.. كما يظهر من عبارة النجاشي في حقّه حيث قال: «ضعيف في الحديث».

2.. الفهرست للطوسي: ص۲۰ الترجمة ۵۵.

3.. الرجال لابن الغضائري: ص۳۹.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
62

وممّا يشهد لما ذكرناه من تأثّر الناس بالقادة هو ما روي في مصادر عديدة من أنّ رجلاً يدعى عاصم، كان يلبس الخشن ويأكل الجشب، فشكاه أخوه إلى أمير المؤمنين علیه السلام، فتكلّم معه أمير المؤمنين علیه السلام في ذلك، فقالَ عاصِمٌ: يا أَميرَ المُؤمِنينَ! فَعَلَى ما اقتَصَرتَ فِي مَطْعَمِكَ عَلَى الجُشُوبَةِ وَ فِي مَلبَسِكَ عَلَى الخُشُونَةِ؟ فَقالَ:

۰.وَيْحَكَ! إِنَّ اللّٰه عزّ و جلّ فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ العَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُم بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَي لا يَتَبَيَّغَ بِالفَقِيرِ فَقرُهُ.۱

فسبب تصرّف عاصم المذكور هو تأثّره بسيرة أمير المؤمنين علیه السلام في الملبس والمطعم ممّا جعله يترك طيب الطعام ولين اللباس، فتأثّر المجتمع الإسلامي بسيرة النبيّ صلی الله علیه و اله والأئمّة علیهم السلام ممّا لا يمكن إنكاره.

وهذا التأثّر لا يختصّ بالنبيّ وأهل بيته علیهم السلام، بل نجده بدرجات أضعف بالنسبة لغيرهم من العلماء والوجهاء، بل بكلّ من له تأثير اجتماعي؛ فنجد تأثّر الشباب ببعض الرياضيّين أو الممثّلين مثلاً. نعم، تأثير كلّ شخص بمقدار منزلته الاجتماعية وما له من منزلة في قلوب الناس، وهذا واضح لمن راجع الحياة الاجتماعية والتاريخ المعاصر، فالإمام الخميني رحمه الله لم يترك بسيرته ومنهجه أثراً على الإيرانيين فحسب، بل ترك أثره على أبناء الشعوب المختلفة وعلى غير المسلمين أيضاً.

فإذا اجتمعت صفتا العلم والمنزلة السياسية في شخص معيّن بأن كان عالماً وكان أمير قومه، فلاريب أنّ تأثيره في المجتمع سيكون أبلغ وأكثر، وقد كان أحمد بن محمّد الأشعري بهذه الصفة، فكان ذا منزلة سياسية اجتماعية من جانب، وكان محدّثاً بارزاً ووجهاً علمياً لامعاً من جانب آخر، فلا ريب أنّ تأثيره على الطبقة المتديّنة من الناس وعلى المجتمع سيكون بالغاً جدّاً.

۴ ـ من الاُمور الجديرة بالاهتمام واللحاظ هي أنّ الحديث يحظى بمنزلة سامية في الفكر الإسلامي، والتساهل فيه يستتبع خطرات عظيمة وآثاراً سلبية كبيرة على الحديث بصورة خاصّة، وعلى الفكر الإسلامي بصورة عامّة، فإذا ما واجه خطراً معيّناً فينبغي على

1.. الكافي: ۱ ص۴۱۰ ح۳، نهج البلاغة: الخطبة ۲۰۹.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19773
صفحه از 348
پرینت  ارسال به