61
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

الملاحظة الأُولی: أنّ إحدی النقاط المهمّة في تضعيف سهل هي نفيه من قبل أحمد بن محمّد بن عيسى من قمّ، فلابدّ من تحليل هذه النقطة، لنرى مدى دلالتها على التضعيف. فنقول وباللّٰه‏ الاستعانة:

۱ ـ لا شكّ ولا ريب في جلالة «أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري»، إلّا أّن ذلك لايعني أنّ أفعاله حجّة؛ فليس هو من المعصومين، وإنّما هو من عامّة البشر الذين يجوز عليهم الخطأ كما لا يخفى. وعليه فلابدّ من تقييم وتحليل فعله المذكور ضمن المعايير العقلائية.

۲ ـ إنّ إخراج سهل بن زياد من قمّ من قبل أحمد الأشعري هو فعل وتصرّف صدر ضمن ظروف معيّنة، فينبغي أن يفهم ويحلّل بما يكتنفه من قضايا؛ ليكون التحليل منسجماً مع الواقع وقريباً منه، ولا يعامل بما يزيد على مستواه وواقعه.

۳ ـ من الأُمور التي تكتنف إبعاد «سهل» من قمّ هي منزلة أحمد الأشعري الاجتماعية والسياسية، فكان أحمد الرئيس السياسي لمدينة قمّ، وفي الوقت ذاته كان من العلماء والمحدّثين المعروفين فيها، فلابدّ من لحاظ هذه المنزلة في إخراجه سهلاً؛ فإنّ الذي له منزلة اجتماعية أو سياسية يراعي بعض القضايا والجهات التي لايراعيها غيره كما لا يخفى۱. ومن هنا فإنّ إخراجه ل‍«سهل» من قمّ قد يكون رعاية لبعض هذه الجهات والمصالح.

توضيح ذلك: إنّ الناس يتأثّرون بالوجهاء وذوي المناصب ـ الاجتماعية والسياسية ـ تأثّراً شديداً، سواء بأقوالهم أم بأفعالهم، فإذا كان للوجيه اُسلوب أدبي متميّز مثلاً كما لو كان يستعمل بعض الألفاظ والتراكيب، تأثّر بها أتباعه، وراجت هذه الألفاظ والتراكيب في كلامهم. وإذا نهج الوجيه منهجاً معيّناً في حياته نهجوه أيضاً، كما لو عاش حياة بسيطة اقتنعوا بالبسيط كذلك، وهذا ما نلاحظه بوضوح في الواقع التاريخي والاجتماعي، وذلك أنّ هاتين الطائفتين من المجتمع هما قدوته وقادته في الحياة، ولهذا نقرأ فيما يروى عن النبيّ الأعظم صلی الله علیه و اله أنّه قال:

۰.صنفان من اُمّتي إذا صلحا صلح الناس: هم الأمراء والعلماء.۲

1.. هذه النقطة من فوائد الاُستاذ السيّد أحمد المددي حفظه اللّٰه.

2.. الاستذكار: ج۱ ص۴۸، جامع بيان العلم وفضله: ج۱ ص۱۸۴ وفيه: «الفقهاء» بدل «العلماء»، الجامع الصغير: ج۲ ص۱۰۱ ح۵۰۴۷ وفيه زيادة «وإذا فسدا فسد الناس»، كنز العمّال: ج۱۰ ص۱۹۱ ح۲۹۰۰۷.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
60

۱ ـ إنّ أحمد لم يدرك أبا محمّد العسكري علیه السلام، وما فعل بسهل وقال فيه لابدّ وأن يكون قبله.

۲ ـ إنّ «سهل بن زياد» يروي عن «عبد العظيم» الذي ورد الريّ مخفياً، ولابدّ أن يكون سهل أحدَ الشيعة الذين أشار إليهم النجاشي، فيكون منفيّاً وقتئذ.

۳ ـ نص النجاشي على أنّه كاتب أبا محمّد علیه السلام، والرواية صحيحة السند، ومكاتبة اُخرى في التهذيب مرويّة عن طريق ثقة الإسلام في الوصايا المبهمة، ولا يجتمع عند الإماميّة غلوّ شخص وكذبه إلى حدّ يوجب نفيه وطرده والبراءة منه، مع اعتناء الإمام علیه السلام به، وجوابه عن مسألته بخطّه المبارك.

۴ ـ إذا لاحظنا سؤال «سهل بن زياد» عن التوحيد والمسائل الفرعية، فلا يعقل أن يكون غالياً؛ فإنّ الغلاة بمعزل عن هذه المطالب.

والذي انتهى إليه من هذه المقدّمات هو ما ذكره بقوله:

فلابدّ من الإغماض عن فعل أحمد، فإنّ لاحظنا جلالته، فنقول: كان شيء ثمّ زال، وإلّا فما هو بأعظم ممّا صنع بنفسه من كتم الشهادة ونفي من لا شكّ في خطئه فيه. وبالجملة، فنسبة الخطأ إليه أولى من نسبته إلى إمامه.۱

ثمّ استمرّ المحدّث النوري قائلاً:

قال السيّد الأجلّ بحر العلوم في رجاله: والأصل في تضعيفه كما يظهر من كلام القوم: أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري، وحال القمّيين ـ سيما ابن عيسى ـ في التسرّع إلى الطعن والقدح والإخراج من قمّ بالتهمة والريبة ظاهر لمن راجع الرجال، ولو كان الأمر فيه على ما بالغوا به من الضعف والغلوّ والكذب لورد عن الأئمّة علیهم السلام ذمّه وقدحه، والنهي عن الأخذ عنه والرجوع إليه، كما ورد في غيره من الضعفاء المشهورين بالضعف، فإنّه كان في عصر الجواد والهادي والعسكري علیهم السلام، وروى عنهم علیهم السلام، ولم نجد له في الأخبار طعناً، ولا نقل ذلك عن أحد من علماء الرجال، ولولا أنّه بمكان من العدالة والتوثيق لما سلم من ذلك....۲

أقول: يمكننا تقديم بعض الملاحظات في هذا الخصوص:

1.. خاتمة المستدرك: ج۵ ص۲۳۱.

2.. خاتمة المستدرك: ج۵ ص۲۴۵.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19823
صفحه از 348
پرینت  ارسال به