فإن كان المراد بالكذب معناه في العصر الحاضر فهذا ممّا لا يمكن قبوله؛ إذ الكاذب لا يروی عنه حديث واحد فضلاً عن هذا العدد. ولو قيل بإرادة الكذب بمعناه الفعلي فهذا لا ينسجم مع جلالة المحمّدين الثلاثة الذين رووا هذا العدد عن هؤلاء.
۴ ـ ذكر النجاشي في ترجمة أبي سمينة:
و كان ورد قمّ، و قد اشتهر بالكذب بالكوفة، و نزل على أحمد بن محمّد بن عيسى مدّة، ثمّ تشهّر بالغلوّ فجفا و أخرجه أحمد بن محمّد بن عيسى عن قمّ.
وهنا يثار السؤال التالي: لو كان المراد بشهرته بالكذب هو معناه الاصطلاحي فلماذا أنزله عنده ؟ علماً أنّ هذه العبارة مشعرة بمعروفية أبي سمينة بحيث ينزل عند شخصية علمية سياسية ذات وجاهة اجتماعية، ومن الواضح أنّ منزلة الأشعري تتنافی مع إيواء المشتهر بالكذب؛ لأنّها تشينه، خاصّة وأنّه نزل عنده مدّة، لا أيّاماً قليلة ممّا يقوّي احتمال إرادة معنی آخر للكذب، وهو المعنی اللغوي؛ أعني الخطأ.
۵ ـ ورد وصف الكذّاب في رجال الشيخ الطوسي مرّة واحدة، وذلك في حقّ طاهر بن حاتم، فقال في ترجمته: «طاهر بن حاتم غالي كذّاب، أخو فارس.»۱
بينما قال النجاشي في حقّه: «طاهر بن حاتم بن ماهويه القزويني أخو فارس بن حاتم، كان صحيحاً ثمّ خلّط»۲، وهذا مؤيّد آخر لكون المراد بالكذب معناه اللغوي لا المعنی المتبادر منه هذا العصر، فالتخليط: خطأ في النقل، وقد وصفه الشيخ بالكذب.
۶ ـ ذكر النجاشي في ترجمة سليمان بن عبد اللّٰه الديلمي أنّه «غمز عليه و قيل: كان غالياً كذّاباً. و كذلك ابنه محمّد لا يعمل بما انفردا به من الرواية»، فإن كان المراد بالكذب المعنی المتبادر منه هذا اليوم لكان عليه التعبير بعدم العمل برواياته أجمع، لا خصوص ما انفرد به. بخلاف ما إذا كان بمعنی الخطأ؛ فإنّه لا يحصل الاطمئنان بما انفرد به، فلا يعمل به، وأمّا ما له شاهد في الروايات الاُخری فإنّه يمكن العمل به.
۷ ـ كتب النجاشي في ترجمة محمّد بن عبد اللّٰه بن مهران الكرخي: «من أبناء الأعاجم، غال كذّاب، فاسد المذهب و الحديث، مشهور بذلك»، فقال: إنّه مشهور بذلك، ثمّ ذكر