57
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

فإن كان المراد بالكذب معناه في العصر الحاضر فهذا ممّا لا يمكن قبوله؛ إذ الكاذب لا يروی عنه حديث واحد فضلاً عن هذا العدد. ولو قيل بإرادة الكذب بمعناه الفعلي فهذا لا ينسجم مع جلالة المحمّدين الثلاثة الذين رووا هذا العدد عن هؤلاء.

۴ ـ ذكر النجاشي في ترجمة أبي سمينة:

و كان ورد قمّ، و قد اشتهر بالكذب بالكوفة، و نزل على أحمد بن محمّد بن عيسى مدّة، ثمّ تشهّر بالغلوّ فجفا و أخرجه أحمد بن محمّد بن عيسى عن قمّ.

وهنا يثار السؤال التالي: لو كان المراد بشهرته بالكذب هو معناه الاصطلاحي فلماذا أنزله عنده ؟ علماً أنّ هذه العبارة مشعرة بمعروفية أبي سمينة بحيث ينزل عند شخصية علمية سياسية ذات وجاهة اجتماعية، ومن الواضح أنّ منزلة الأشعري تتنافی مع إيواء المشتهر بالكذب؛ لأنّها تشينه، خاصّة وأنّه نزل عنده مدّة، لا أيّاماً قليلة ممّا يقوّي احتمال إرادة معنی آخر للكذب، وهو المعنی اللغوي؛ أعني الخطأ.

۵ ـ ورد وصف الكذّاب في رجال الشيخ الطوسي مرّة واحدة، وذلك في حقّ طاهر بن حاتم، فقال في ترجمته: «طاهر بن حاتم غالي كذّاب، أخو فارس‏.»۱

بينما قال النجاشي في حقّه: «طاهر بن حاتم بن ماهويه القزويني أخو فارس بن حاتم، كان صحيحاً ثمّ خلّط»۲، وهذا مؤيّد آخر لكون المراد بالكذب معناه اللغوي لا المعنی المتبادر منه هذا العصر، فالتخليط: خطأ في النقل، وقد وصفه الشيخ بالكذب.

۶ ـ ذكر النجاشي في ترجمة سليمان بن عبد اللّٰه الديلمي أنّه «غمز عليه و قيل: كان غالياً كذّاباً. و كذلك ابنه محمّد لا يعمل بما انفردا به من الرواية»، فإن كان المراد بالكذب المعنی المتبادر منه هذا اليوم لكان عليه التعبير بعدم العمل برواياته أجمع، لا خصوص ما انفرد به. بخلاف ما إذا كان بمعنی الخطأ؛ فإنّه لا يحصل الاطمئنان بما انفرد به، فلا يعمل به، وأمّا ما له شاهد في الروايات الاُخری فإنّه يمكن العمل به.

۷ ـ كتب النجاشي في ترجمة محمّد بن عبد اللّٰه بن مهران الكرخي: «من أبناء الأعاجم، غال كذّاب، فاسد المذهب و الحديث، مشهور بذلك»، فقال: إنّه مشهور بذلك، ثمّ ذكر

1.. رجال الشيخ: ص۳۵۹ الترجمة ۵۳۱۴.

2.. رجال النجاشي: ص۲۰۸ الترجمة ۵۵۱.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
56

السادس: الصدق والكذب بلحاظ أبعاض الكلام وأجزائه أو انحلاله في الأفراد.۱

وهنا يقع السؤال التالي: ما المراد من الكذب المنسوب لـ «سهل»، هل هو معناه الاصطلاحي، أم معناه اللغوي؛ وهو الخطأ أو عدم المطابقة للواقع؟ و بعبارة اُخری: هل المراد من قول النجاشي: «وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب» هو المعنى الأوّل أم الثاني؟

للإجابة علی ذلك نشير إلی بعض النقاط أوّلاً، وهي:

۱ ـ بمراجعة من وصفه النجاشي بالكذب وجدنا هذا الوصف في التراجم التالية: سليمان بن عبد اللّٰه الديلمي۲، وسهل بن زياد۳، وعبد اللّٰه بن القاسم الحضرمي المعروف بالبطل۴، وأبو سمينة محمّد بن عليّ الصيرفي۵، و محمّد بن عبد اللّٰه بن مهران۶، و وهب بن وهب بن عبد اللّٰه أبو البختري‏۷.

۲ ـ بمراجعة التعبير المذكور في التراجم السابقة وجدنا الخمسة الأُولی منها مقرونة بوصف الغلوّ، والسادس موصوف بالكذب فقط.

۳ ـ النقطة الملفتة للنظر أنّ جميع هؤلاء المتّهمين بالكذب لهم روايات في الكتب الأربعة، بل إنّ بعضهم كثير الرواية؛ فقد تكرّر اسم سهل بن زياد ضمن (۲۵۶۷) سنداً، واسم أبي سمينة ضمن (۳۸۶) سنداً، واسم وهب بن وهب ضمن (۱۱۳) سنداً، و اسم سليمان بن عبد اللّٰه الديلمي ضمن (۳۰) سنداً، و محمّد بن عبد اللّٰه بن مهران ضمن (۱۳) سنداً، ومجموعها هو (۳۱۰۹)، وهو عدد ضخم بلا ريب.

1.. اُنظر: المصدر السابق: ص۱۶۲.

2.. رجال النجاشي: ص۱۸۲ الرقم۴۸۲؛ فهرست الطوسي: ص۲۲۱ الرقم۳۲۷.

3.. رجال النجاشي: ص۱۸۵ الرقم۴۹۰.

4.. المصدر السابق: ص۲۲۶ الرقم۵۹۴.

5.. المصدر السابق: ص۳۳۲ الرقم۸۹۴.

6.. المصدر السابق: ص۳۵۰ الرقم۹۴۲.

7.. المصدر السابق: ص۴۳۰ الرقم۱۱۵۵.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 20182
صفحه از 348
پرینت  ارسال به