55
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

وَ أُولٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ)۱، فإنّه تعالی علّل كونهم من الفاسقين لعدم إتيانهم بأربعة شهداء، لا إخبارهم بما يخالف الواقع، فلو كان الرامي رأی بعينه وسمع بأُذنيه، فلو أخبر بذلك من دون زيادة ونقصان فهو فاسق ويجب جلده ولا تقبل شهادته أبداً؛ لأنّه ليس له أن يخبر بذلك ما لم يتوفّر لديه أربعة شهداء.

ونستخلص من الآيتين أنّ المخبر إذا لم يكن مرخّصاً في الإخبار فإخباره يكون كذباً، وهو كاذب عند اللّٰه، حتّی لو كان ما أخبر به عين متن الواقع. وعلی ضوء ذلك يمكن أن يقال: إنّ من أخبر بحديث سمعه من الإمام علیه السلام يكون كاذباً فيما إذا كان هذا الإخبار مخالفاً للموازين المقرّرة عندهم علیهم السلام، ولذلك ورد في من أذاع أسرار أهل البيت علیهم السلام أنّه كذب عليهم؛ لأجل أنّ في هذا الإخبار مفسدة من حيث عدم تحمّل السامعين، ممّا يسبّب الوقوع في المخاطر الاعتقادية لدی السامع، أو يسبّب تحريض الطغاة علی إمحاء معالم أهل البيت علیهم السلام، فيكون المذیع بذلك هو المسبّب لهذه المخاطر، فهو كمن قاتلهم عمداً.۲

ثمّ ذكر أنّ الأئمّة علیهم السلام نسبوا الكذب لبعض الرواة لاسيما المتّهمين بالغلوّ، وليس منها الكذب المصطلح ـ بمعنی الإخبار بخلاف الواقع ـ بل لها معانٍ اُخری۳، وذكر ستّة معانٍ للكذب مدعومة بالشواهد الروائية، إليك عناوينها، ومن أراد التفصيل فعليه مراجعة المصدر:

الأوّل: إذاعة الأسرار و إفشاؤها.۴

الثاني: وضع حدود لأشياء سمعت حقيقة.۵

الثالث: تطبيق المعنی علی غير مصداقه.۶

الرابع: إسناد الاستنتاجات والاحتجاجات التفصيلية إليهم علیهم السلام مع كونها منطلقة من قواعدهم الكلّية.۷

الخامس: الكذب المخبري.۸

1.. النور: ۴.

2.. الغلوّ والفرق الباطنية: ص۱۵۲.

3.. المصدر السابق: ص۱۵۵.

4.. اُنظر: المصدر السابق: ص۱۵۵ ـ ۱۶۰.

5.. اُنظر: المصدر السابق: ص۱۶۰ ـ ۱۶۱.

6.. اُنظر: المصدر السابق: ص۱۶۱.

7.. اُنظر: المصدر السابق: ص۱۶۱ ـ ۱۶۲.

8.. اُنظر: المصدر السابق: ص۱۶۲.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
54

حديثاً، كان بإمكان عمرو التعبير عن زيد بالكاذب؛ بمعنی الخاطئ. ويشهد لما ذكرناه ما رواه الشيخ الصدوق في معاني الأخبار بسنده عن عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد اللّٰه علیه السلام:

۰.كَفَى بِالمرءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِ‏ مَا سَمِعَ‏.۱

فإنّ الذي يحدّث بكلّ ما سمعه قد يخطیٔ في النقل، فيكون كاذباً، أي خاطئاً، ولا يكون كاذباً بالمعنی الاصطلاحي كما هو واضح.

تذييل:

ذكر الشيخ محمّد السند في كتابه «الغلوّ والفرق الباطنية» تحت عنوان «معاني الكذب وأنواع الغلوّ» معانٍ عديدة للكذب لغة أوّلّاً، ثمّ ذكر تحت عنوان «أقسام الكذب التي ارتكبها الغلاة» عدّة معانٍ للكذب، فقال:

ظهر ممّا ذكرنا في موارد استعمال الكذب في اللغة أنّه ليس كلّ كذب بمعنی الإخبار بخلاف الواقع، بل قد يكون الخبر مطابقاً للواقع ومع ذلك يكون المخبر كاذباً في إخباره، ولا يستغرب ذلك؛ فقد ورد هذا الاستعمال في القرآن المجيد حيث وصف من أخبر بما ينبغي الإخبار به ـ لعدم توفّر شرائط الإخبار وظروفه المناسبة – كاذباً؛ وذلك لما يسبّب هذا الإخبار الوقوع في المهالك الموهلة. فقد اشتهر أنّه لا يسوغ الإخبار بكلّ صدق؛ أي أنّ بعض الإخبارات الصادقة من حيث مطابقتها للواقع ليس المصلحة في إبرازها بل فيه مفسدة فهو كذب من جهة اُخری؛ فمن ذلك قوله تعالی في الإفك: (لَوْلَا جَاؤوا و عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْکاذِبُونَ)۲، فإنّه علّل في الآية كونهم من الكاذبين عند اللّٰه عدم إتيانهم بالشهداء، لا كون كلامهم خلاف الواقع، فإنّ من يشهد بأمر رآه باُمّ عينيه كيف يكون كاذباً لأجل عدم إتيانه بالشهداء غيره؟ فالمعنی أنّه ما لم يتوفّر لديه أربعة شهداء فالإخبار بما رآه مخالف لموازين الستر والعفاف، فهو كاذب؛ أي أنّه أخبر بما لا ينبغي الإخبار به وإن كان الإخبار مطابقاً للواقع...

ونظير ذلك: ما ورد في آية قذف المحصنات حيث قال تعالی: (وَ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَ لَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا

1.. معاني الأخبار: ص۱۵۸ح ۱.

2.. النور: ۱۳.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19501
صفحه از 348
پرینت  ارسال به