53
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

فالكاذب يعلم أنّه كاذب من أوّل لحظة، ولا حاجة لبعثه ليعلم ذلك، مع أنّ الكلام عن البعث وأنّ بعض الناس يقسم بأيمان مغلّظة بأنّ اللّٰه لا يبعث من يموت، فالآية تبيّن أنّ اللّٰه يبعثهم ليعلموا أنّهم كانوا خاطئين.

وبمعنی أحاديث الباطل، نظير قوله تعالی:

(يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرينَ...).۱

فالآية في مقام ذمّ الذين هادوا وقد وصفتهم بأنّهم (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ)، ولم تصفهم بأنّهم يسمعون الكذب، والسمّاع مبالغة في السماع، ومن الواضح أنّ الذي يعلم بكذب المتكلّم لا يبالغ في الاستماع له، والذي يبالغ في الاستماع مع عدم علمه بكذب المتكلّم لا يستحقّ الذمّ، فالمراد بالكذب هنا ليس هو معناه الاصطلاحي، وإنّما هو معناه اللغوي؛ وهو أحاديث الباطل۲؛ أي أنّهم يبالغون في استماع الأحاديث الباطلة، ولهذا ذمّتهم. والملفت للنظر أنّ هذا الوصف تكرّر مرّة ثانية في الآية التالية لها: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ...)۳، ممّا يشعر بأهمّية الموضوع.

حصيلة البحث

اتّضح ممّا ذكرناه أنّ الكذب لغة كان مستعملاً بمعانٍ عديدة، إلّا أنّ بعض معانيه قد اندرس، نظير: الخطأ، بل مقتضی ما ذكره ابن منظور أنّه مستعمل بهذا المعنی في الحديث أيضاً. ووجه تسمية الخطأ كذباً: «أَنه يُشْبهه في كونه ضِدَّ الصواب».

ونظير استعماله بمعنی الأحاديث الباطلة، وقد ورد استعماله بهذا المعنی في القرآن الكريم أيضاً.

وبناء علی ما ذكر، فلو روی زيد نصّاً باعتباره حديثاً، ورأی عمرو أنّه لا يمكن عدّه

1.. المائدة: ۴۱.

2.. تقدّمت الإشارة إلی هذا المعنی عند بیان المعنی اللغوي للکذب: «الأكاذيب‏: أحاديث الباطل» (جمهرة اللغة، ج‏۱، ص: ۳۰۴ «كذب»).

3.. المائدة: ۴۲.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
52

الكَذِبُ: نقيضُ الصِّدْقِ... و كَذَبَ الرجلُ: أَخْبَر بالكَذِبِ. النضر: يقال للناقة التي يَضْرِبُها الفَحْلُ فتَشُولُ، ثم تَرْجِعُ حائلاً: مُكَذَّبٌ و كاذِبٌ، و قد كَذَّبَتْ وكَذَبَتْ... قال شمر: يقال للرجل إِذا حَملَ ثمّ وَلَّى و لم يَمْضِ: قد كَذَّبَ عن قِرْنه تَكْذيباً. و في حديث صلاةِ الوِتْرِ: كَذَبَ أَبو محمّد؛ أَي أَخْطأَ، سمّاه كَذِباً لأَنه يُشْبهه في كونه ضِدَّ الصواب، كما أَنّ الكَذِبَ ضدُّ الصِّدْقِ، و إِنِ افْتَرَقا من حيث النيّةُ والقصدُ؛ لأَن الكاذبَ يَعْلَمُ أَنّ ما يقوله كَذِبٌ، و المُخْطِئُ لا يعلم... و قد استعملت العربُ الكذِبَ في موضع الخطأ. وفي حديث عُرْوَةَ، قيل له: إِنَّ ابن عبّاس يقول: إِنّ النبيّ صلی الله علیه و اله لَبِثَ بمكّة بِضْعَ عَشْرَةَ سنةً، فقال: كَذَبَ، أَي أَخْطَأَ....۱

والحاصل من مجموع الكلمات المذكورة أنّ الكذب يطلق علی معانٍ عديدة، فيطلق علی نقيض الصدق، وعلی الخطأ، والأكاذيب: أحاديث الباطل.

ب ـ الكذب اصطلاحاً

وأمّا اصطلاحاً فقد جاء تعريفه في معجم ألفاظ الفقه الجعفري بأنّه: «الإخبار بخلاف الواقع عمداً، ويقابله الصدق».۲

وهذا المعنی هو المتبادر من لفظ الكذب في العصر الحاضر، فلا نفهم له معنی آخر غيره.

ج ـ الكذب في القرآن

وردت مشتقّات الكذب في (۲۸۲) موضعاً، وقد استعمل الكذب فيها بمعانٍ عديدة، بعضها بالمعنی الاصطلاحي، ولا حاجة لذكرها، وبعضها بمعانٍ اُخری:

فاستعمل بمعنی الجحود والإنكار، نظير قوله تعالی:

(قُلْ سِيرُوا فِي ٱلْأَرْضِ ثُمَّ ٱنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ).۳

وبمعنی الخطأ، نظير قوله تعالی:

(وَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ ٱللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلَىٰ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * لِيُبَيِّنَ لَهُمُ ٱلَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَ لِيَعْلَمَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ)۴.

1.. لسان العرب: ج۱ ص۷۰۴ «كذب».

2.. معجم ألفاظ الفقه الجعفري: ص۳۴۶.

3.. الأنعام: ۱۱.

4.. النحل: ۳۸ ـ ۳۹.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19509
صفحه از 348
پرینت  ارسال به