محقّق الكتاب في هامشه أنّ اسم أبا يحيی الواسطي هو «سهيل بن زياد»، فهو نظير السند الوارد في الكافي وبصائر الدرجات.

فاتّضح مما ذكرناه أنّ الصحيح هو «... عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ سهيلِ بْنِ زِيَادٍ»، وعليه فهذه الرواية ليست من روايات سهل بن زياد. واتّضح أیضاً أنّ مضمونها ليس من مضامين الغلوّ.

وبهذا تمّ الكلام في روايات سهل بن زياد في بصائر الدرجات.

كما تتّبعنا ما رواه الحسن بن سليمان الحلّي في مختصر بصائر الدرجات عن سهل بن زياد فوجدنا له خمس روايات، ورد اثنان منها مكرّراً في موضعين^۱، ولا دلالة في شيء منها علی الغلوّ، علماً أن عدداً منها مروي في الكافي أيضاً.

وبهذا یتبیّن أنّ الغلوّ لو كان بمعنی الغلوّ العقيدي فهذه النسبة لسهل بن زياد فاقدة للشاهد الروائي.

ثانياً: الكذب

التعبير الثاني الوارد في عبارة النجاشي بشأن سهل بن زياد هو نسبة الكذب إليه، فقال: «وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ والكذب».

وقبل تفسير العبارة بمعنى معيّن لنرجع إلى كتب اللغة لنرى معنى الكذب لغة، ثمّ لنرى معناه اصطلاحاً أيضاً، ثمّ نبدي المعنى المقصود منها، فنقول:

أ ـ الكذب لغة

كتب ابن دريد (المتوفّی ۳۲۱ه‍):

الكَذِب‏: ضد الصِّدْق. و رجل‏ كَذّاب‏ و كَذُوب‏ و كُذُبْذُب‏ و كُذُّبْذُب‏ و كَيْذُبان‏ و كَيْذَبان‏، كلّ ذلك في معنى‏ الكذّاب‏... و كَذَبَ‏ الوحشيُّ، إذا جرى شوطاً ثمّ وقف لينظر ما وراءه. و حملَ فلانٌ على فلانٍ فما كذَّب‏ حتّى طَعَنَ أو ضَرَبَ، أي ما وقف. و الأكاذيب‏: أحاديث الباطل، الواحدة: أُكذوبة.^۲

وكتب ابن منظور في بيان معناه قائلاً:

أَمْ لَمْ يَخْلُقْهُ؟ يَبْرَؤونَ مِنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ.

قِيلَ لَهُ: كَيْفَ هَذَا؟ يَتَبَرَّؤونَ مِنْ فُلَانٍ وَ فُلَانٍ وَ هُمْ لَا يَدْرُونَ أَ خَلَقَ اللهُ آدَمَ أَمْ لَمْ يَخْلُقْهُ؟!

فَقَالَ لِلسَّائِلِ: أَ تَعْرِفُ إِبْلِيسَ؟

قَالَ: لَا إِلَّا بِالْخَبَرِ.

قَالَ: فَأُمِرْتَ بِاللَّعْنَةِ وَ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ؟

قَالَ: نَعَمْ.

قَالَ: فَكَذَلِكَ أُمِرَ هَؤُلَاءِ.

وبدراسة سندها اتّضح وقوع الخلل والتصحيف فيها أيضاً، فالمقطع التالي من السند: «حَدَّثَنَا محمّد بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ سَهْلِ‏ بْنِ زِيَادٍ...» مصحّف، وصحيحه «حَدَّثَنَا محمّد بْنُ هَارُونَ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ سهيلِ بْنِ زِيَادٍ»، فكلمة «عن» الواردة قبل «سهل بن زياد» زائدة، و«سهل» تصحيف عن «سهيل»، ويشهد لذلك اُمور:

۱ ـ إنّنا لا نجد في شيء من الأسانيد رواية «أبي يحيی الواسطي» عن «سهل بن زياد» سوی هذه الرواية. نعم رواها العلّامة المجلسي في موضعين من البحار^۱ نقلاً عن بصائر الدرجات.

۲ ـ روی الصفّار نفس الرواية في موضع آخر من كتابه بالسند التالي: «حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ دُرُسْتَ، عَنْ عَجْلَانَ أَبِي صَالِحٍ»^۲، كما رواها الكليني بالسند التالي: «عَنْهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدً، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عَجْلَانَ أَبِي صَالِحٍ»^۳، وهما متّحدتان مع السند محلّ الكلام في المقطع التالي من السند: «أبي يحيی الواسطي... عَنْ عَجْلَانَ أَبِي صَالِحٍ»، ومع ذلك فليس فيهما «عَنْ سَهْلِ‏ بْنِ زِيَادٍ»؛ وذلك أنّ اسم أبي يحيی الواسطي هو «سهيل بن زياد» فاكتفی بالكنية عن الاسم.

۳ ـ رواها الحسن بن سليمان الحلّي في مختصر البصائر بالسند التالي: «محمّد بْنُ هَارُونَ (بْنِ مُوسَى)، عَنْ أَبِي يَحْيَى سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ الْوَاسِطِيِ، عَنْ عَجْلَانَ بْنِ صَالِحٍ»^۴، وأشار