41
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

من غيره بلحاظ القرائن؛ فهو منسجم مع تصرّف أحمد بن محمّد بن عيسى مع سهل من جهة، ورواية الأجلّاء ـ کالشيخ الكليني ـ عنه من جهة اُخرى، وتوثيق الشيخ له من جهة ثالثة.

توضيح ذلك: إنّ أحمد بن محمّد بن عيسى كان الوجه السياسي في قم، قال النجاشي في ترجمته:

أحمد بن محمّد بن عيسى بن عبد اللّٰه... شيخ القمّيّين ووجههم و فقيههم غير مدافَع، و كان أيضاً الرئيس الذي يلقى السلطان بها.۱

فمقتضى منزلته السياسية وكونه الرئيس الذي يلقى السلطان۲ أن لا يسمح للمتطرّفين بإتيان ما شاؤوا۳، خاصّة في بعض المجالات الهامّة كالحديث، فإن كان المراد بالغلوّ ما ذكرناه انسجم مع ما تقدّم من عبارة النجاشي في وصف «سهل» حيث قال: «كان ضعيفاً في الحديث»، و عليه سيكون وصفه بالغلوّ بمعنی تطرّفه في قبول الأحاديث حتّی وإن كانت من نسخ غير معتمدة أو من طرق ضعيفة.

ويؤيّد هذا الاحتمال ما يلي:

۱. أنّ النجاشي لم يذكر شهادة القمّيين عليه بالغلوّ، وإنّما قال: «وكان أحمد بن محمّد بن عيسى يشهد عليه بالغلوّ»، فهذه الشهادة من قبل الرئيس السياسي لقم ـ أحمد الأشعري ـ فقط.

۲. بمراجعة روايات «سهل» في كتاب الكافي وجدنا أنّ حوالي (۲۰٪) من رواياته وردت في الاُصول، وحوالي (۸۰٪) من رواياته وردت في الفروع والروضة، اُنظر الشكل التالي:

1.. رجال النجاشي: ص۸۱ الرقم۱۹۸.

2.. هو ما يعبّر عنه اليوم بـ«المحافظ» أو «القائم مقام» أو نظير ذلك.

3.. وهذا ما نجده في واقعنا الاجتماعي الذي نعيشه، فالسياسي يحاول تهدئة الساحة ولا يفسح المجال لمن له ميول فكرية معيّنة تهدّد هدوء واستقرار المجتمع، سواء على المستوى الفكري أم على المستوى السياسي أم غيرهما من المستويات.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
40

السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.۱

وغيرها من الروايات المفرّقة في أبواب اُصول الكافي والتي تدلّ على توحيده، إمّا بشكل صريح أو غير صريح. هذا بالنسبة إلی المعنی الأوّل.

وأمّا المعنى الثاني ـ أعني الغلوّ السلوكي والعملي المستلزم لترك الواجبات وفعل المحرّمات ـ فينفيه ما يلي:

۱. إنّ الذي لايأتي بالواجبات ولا يتحرّج عن فعل المحرّمات، لا يؤمَن عليه من الكذب في الرواية، بل وجعل الأحاديث، فكيف يروي عنه كبار المحدّثين أمثال الكليني هذا العدد الهائل من الروايات؟!

۲. إنّ سهلاً روی كمّاً هائلاً من الروايات في الفروع كما تشير إحصائيّات رواياته في كتاب الكافي۲، فمن لا يری لزوم الإتيان بالفرائض ـ من الصلاة وغيرها ـ لا يروي هذا العدد من الروايات فيما يتعلّق بها وبأحكامها.

وبهذا ينتفي أو يضعف الاحتمالان الأوّلان للغلوّ، وهما: الغلو العقيدي والسلوكي: واللذان يوجبان الكفر أو الفسق، وهذا ما ذكره الشيخ محمّد حسين الإصفهاني رحمه اللّٰه حيث قال:

۰.من الواضح أنّ الغلوّ في الصدر الأوّل عند أرباب الحديث ليس من الغلوّ الموجب للفسق أو الكفر.۳

ومن البيّن أنّ الغلوّ العقيدي أو السلوكي ـ الذي يستلزم ترك الواجبات وفعل المحرّمات ـ موجب للفسق أو الكفر، وعليه فهو صريح في أنّ الغلوّ في ذاك الزمان ليس هو بالمعنيين المذكورين.

نعم، يحتمل أن يكون المراد بنسبة الغلوّ إليه هو الغلوّ بمعناه اللغوي؛ وهو أن يكون مفرطاً في بعض التصرّفات التي تعرّض استقرار المجتمع للخطر. ولعلّ هذا الاحتمال أقرب

1.. المصدر السابق: ج۱ص ۱۰۳ ح۱۰.

2.. ستأتي هذه الإحصائيات لاحقاً إن شاء الله تعالی.

3.. صلاة المسافر: ص۲۰.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19716
صفحه از 348
پرینت  ارسال به