35
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

تراعَ الاُمور المذكورة. فالاعتدال السياسي هو: أن يتّخذ الإنسان الموقف المناسب تجاه النظام الجائر حسبما تقتضيه الظروف والشرائط الحاكمة، ولا يمكن رسم خطّ عام للعمل به في جميع الحالات ومختلف الظروف أيّاً كانت.

وبعبارة اُخرى: الأنظمة السياسية والحكومات قد تخرج عن جادّة الاستقامة، بأن تظلم البعض، أو تستأثر بالأموال، أو تنهب الثروات، فالاستنكار عليها ومواجهتها أمر حسن بلا ريب، شريطة أن يتمتّع بالأرضية الخصبة والشرائط المطلوبة، وإلّا كانت مذمومة وقبيحة؛ لأنّها ستجرّ التبعات السيّئة على اُولئك المعترضين، بل وعلی غيرهم أيضاً؛ ولهذا فإنّ التاريخ يشهد لنجاح الانتفاضات الشعبية التي راعت هذا الجانب، وفشل الاُخرى التي لم تراع هذا الجانب.

وقد عاصرنا في زماننا الحاضر الانتفاضات والثورات الشعبية من كلا النمطين، فشاهدنا نجاح الثورة الإسلامية في إيران، إلى جانب ذلك نجد فشل بعض الثورات في البلدان الاُخرى، كالانتفاضة الشعبانية في العراق سنة (۱۹۹۲ م) ضدّ نظام صدام الجائر، وبعض الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية خلال العامين (۲۰۱۰ ـ ۲۰۱۱م)، فإنّ هذه الثورات لو تمّت في ظلّ أرضية مناسبة وقيادة حكيمة لانتهت لنتائج محمودة. فالذي يحمل أفكاراً ثورية ضدّ النظام الحاكم، ولا ينتظر حلول الفرصة المناسبة وتحقّق الشرائط المطلوبة عبّرنا عنه ب«الغالي سياسياً». وهذا النوع من الغلوّ موجود علی مرّ التاريخ.

وهنا سؤال یطرح نفسه: هل كان في الأوساط الشيعية رجال لهم غلوّ سياسي، أم أنّ هذا مجرّد احتمال؟

ونقول في الجواب عنه: كان هناك تيّار فكري سائد بين الشيعة في مختلف المدن ـ وخاصّة في الكوفة ـ يدعو للقيام ضدّ النظام الحاكم والإطاحة به وتنصيب من نصّبه اللّٰه تعالى، وهذا الخطّ الفكري كان موجوداً بين الشيعة على مرّ الأزمان، وهناك من یدین به إلى يومنا هذا، ومن وجوه هذا التيار هو زيد بن عليّ الشهيد، الذي كان يدعو للثورة والسيف والإطاحة بالاُمويين واستبدال النظام الحاكم بنظام آخر۱، فلمّا ثار واستشهد وصلب واُحرق

1.. وهو المعبّر عنه في الروايات بأنّه كان يدعو للرضا من آل محمّد؛ ولهذا فإنّ الزيدية يقولون بالقيام بالسيف إلى يومنا هذا، ولهذا نجد الاضطرابات في اليمن بين الآونة والاُخرى، فإنّهم من أبناء المذهب الزيدي.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
34

وفي أعلام الدين:

و منها: محبّة أسهل المذاهب ذي الرخص في ارتكاب الفواحش و اللذّات؛ استصعاباً للعلم و استثقالاً للعمل و ميلاً إلى الراحة و رغبة في الإباحة؛ و لهذا يسرع كثير من الناس إلى مذاهب الغلاة و المسقطين للتكليف و الأعمال.۱

فالروايات والكلمات المشار إليها وغيرها دالّة بوضوح على أنّ أحد المظاهر البارزة والعلامات الشاخصة في الغلاة هي ترك العبادات وارتكاب المحرّمات، وهما أمران سلوكيان، ولهذا أطلقنا عليه عنوان الغلوّ السلوكي.

نعم، المنشأ للغلوّ السلوكي هو الانحراف العقيدي الذي من أبرز مصاديقه الغلوّ العقيدي، لكن لا تلازم بينهما، فقد يكون الشخص غالياً في عقيدته لكنه يقيم الصلاة ويؤدّي الزكاة. وعليه فالغلوّ السلوكي غير الغلوّ العقيدي.

ويظهر من بعض الروايات أنّ المتبادر من لفظ الغلوّ لأبناء ذاك الزمان كان ملازماً لترك الواجبات وركوب المحرّمات.

كما قد يطلق الغلوّ ويراد به التطرّف العملي، لكن لا بترك الواجبات وفعل المحرّمات، نظير التطرّف في إبراز الولاية لأهل البيت علیهم السلام والبراءة من أعدائهم۲، أو التطرّف في بعض المجالات الاُخری.

۳. الغلوّ السياسي: النوع الثالث من الغلوّ هو ما أسميناه بالغلوّ السياسي، وهو أن يكون الإنسان ثورياً في تصرّفاته ومواقفه تجاه النظام الحاكم، بنحو يخرجه عن حدّ الاعتدال. ولتوضيحه نقول:

لا ريب أنّ الناس على مسالك ومذاهب وطباع مختلفة، وبسبب ذلك تختلف مواقفهم تجاه الأنظمة السياسية والحكومات القائمة. من جهة اُخرى فإنّ عدم رضوخ الإنسان للظلم ومواجهته له أمر حسن فيما إذا روعيت شرائطه ومتطلّباته وأرضيّاته اللازمة، ومذموم إذا لم

1.. أعلام الدين: ص۲۵۹.

2.. هذا المعنی أشار إليه آية الله الشيخ محمّد السند، وذكر الشاهد الروائي عليه. راجع: الغلوّ والفرق الباطنية: ص۱۷۲ ـ ۱۷۴.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19804
صفحه از 348
پرینت  ارسال به