33
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

في الأمثلة المذكورة حسن، والإفراط مذموم، بل قد يخرج الإنسان عن المسير السليم للحياة نتيجة لإفراطه في بعض الجوانب السلوكية، كما نشاهده في بعض أفراد المجتمع.

والذي يظهر من بعض الأخبار ـ خصوصاً الأخبار الواردة في تراجم الغلاة ـ أنّ الغلوّ قد يطلق ويراد به الغلوّ السلوكي والعملي، لكن لا بجميع أنواع السلوك، بل بمعنى أنّ الإنسان لا يأتي بالواجبات ولا ينتهي عن المحرّمات، بل قد لا يرى تكليفاً، نظير ما يظهر من الرواية التالية المروية في رجال الكشّي تحت العناوين: «فارس، و محمّد بن يزداد الرازي، وإسحاق بن محمّد البصري»:

قال أبو عمرو: سألت أبا النضر محمّد بن مسعود عن جميع هؤلاء، فقال: أمّا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال فما رأيت فيمن لقيت بالعراق و ناحية خراسان أفقه و لا أفضل من عليّ بن الحسن بالكوفة.... وأمّا عليّ بن عبد اللّٰه بن مروان فإنّ القوم ـ يعني الغلاة ـ يمتحن في أوقات الصلوات، و لم أحضره في وقت صلاة و لم أسمع فيه إلّا خيراً....۱

وهو صريح في أنّ الغلاة يمتحنون ويعرفون في أوقات الصلاة؛ وما ذاك إلّا لأنّهم لا يقيمونها. وهذا يعني أنّ الصفة المعروفة للغلاة هي عدم إقامتهم للصلاة.

وفي اعتقادات الإماميّة:

و علامة الحلاجية من الغلاة دعوى التجلّي بالعبادة مع تديّنهم بترك الصلاة و جميع الفرائض، و دعوى المعرفة بأسماء اللّه العظمى، و دعوى اتّباع الجنّ لهم، و أنّ الوليّ إذا خلص و عرف مذهبهم فهو عندهم أفضل من الأنبياء علیهم السلام.۲

وقال العلّامة المجلسي:

اعلم أنّ الغلو في النبيّ و الأئمّة علیهم السلام إنّما يكون بالقول باُلوهيتهم، أو بكونهم شركاء اللّٰه تعالى في المعبودية أو في الخلق و الرزق... أو القول بأنّ معرفتهم تغني عن جميع الطاعات و لا تكليف معها بترك المعاصي.۳

1.. رجال الكشّي: ص۵۳۰ الترجمة ۱۰۱۴.

2.. اعتقادات الإمامية: ص۱۰۱، بحار الأنوار: ج۲۵ ص۳۴۳.

3.. بحار الأنوار: ج۲۵ ص۳۴۶.


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
32

خارجاً عن محور بحثهم، ولهذا لا يقصدونه من إطلاق هذا اللفظ.

وكذلك الحال في كتب العقائد والكلام، فإن موضوع البحث فيها هو العقائد الحقّة والباطلة، فلا شأن لهم بغير المجال العقيدي؛ ولهذا لو أطلق علماء العقائد والكلام هذا اللفظ أرادوا به من يعتقد اُلوهية أمير المؤمنين أو أحد أولاده علیهم السلام أو نظير ذلك من العقائد الفاسدة، لا المغالي بمعناه اللغوي.

وبناءً علی ذلك، فلو أُطلق عنوان المغالي في كتب الفقه والعقائد فالمراد به المغالون عقيديّاً لا غير، ولكثرة التعاطي مع الكتب المذكورة والاُنس بها صار المعنی المذكور هو المتبادر من هذه اللفظة عند المتشرّعة ـ في عصرنا الحاضر ـ من بين معاني الغلوّ، حتّی صار وكأنّه المعنى الحقيقي والوحيد لهذا اللفظ، مع أنّ المعنی اللغوي أوسع من ذلك، واستعماله القرآني والحديثي مطابق للمعنی اللغوي وأوسع من المعنی المستعمل في الفقه و العقائد.

والسؤال المطروح هو: ما المراد من الغلوّ المنسوب لسهل بن زياد، هل هو معناه اللغوي أم الفقهي والكلامي ؟

قبل الإجابة علی هذا السؤال علينا أن نوضح ما يمكن تصوّره من معاني الغلوّ في العصر السابق، ثمّ اختيار المعنی المناسب منها وفق القرائن، فنقول:

الغلوّ في العصر السابق على ثلاثة أقسام۱، هي:

۱. الغلوّ العقيدي: وهو رفع أهل البيت علیهم السلام فوق شأنهم، أو رفعهم إلی مستوی الربوبية.

۲. الغلوّ السلوكي والعملي: والمراد به الإفراط في المجال السلوكي والعملي؛ إذ تقدّم أنّ الغلوّ هو الإفراط ومجاوزة الحدّ، فإذا كان هذا الإفراط في مجال السلوك وعلى المستوى العملي كان غلوّاً سلوكيّاً، وبذلك تخرج أفعال الإنسان عن جادّة الصواب.

وهذا الغلوّ له مظاهر مختلفة في الحياة، كالافراط في تهذيب الأولاد باستقصاء كلّ شاردة وواردة، والإفراط في الطهارة والنجاسة، والإفراط في طلب المال، وهكذا. فالاعتدال

1.. هذا التقسيم للغلوّ هو ممّا أفاده السيّد الاُستاذ آية اللّٰه السيّد أحمد المددي حفظه اللّٰه في بعض دروسه، والإيضاح من عندنا.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19824
صفحه از 348
پرینت  ارسال به