29
دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته

غَلا السعرُ يَغْلُو غَلاءً ممدود، و غَلا الناس في الأمر: أي جاوزوا حدّه، كَغُلُوِّ اليهود في دينها. و يقال: أَغْلَيْتُ الشيء في الشراء، و غَالَيْتُ به.... و تَغَالَى‏ النبتُ، أي ارتفع، و تمادى في الطول.۱

وكتب ابن دريد (المتوفّی ۳۲۱ه‍) في بيان هذه المفردة قائلاً:

الغُلُوّ: الارتفاع في الشيء و مجاوزة الحدّ فيه، و منه قوله جلّ و عزّ: (لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ)؛ أي لا تجاوزوا المقدار.۲

وكتب الجوهري (المتوفّی ۳۹۳ه‍):

غَلَا في الأمر يَغْلُو غُلُوًّا: أي جاوزَ فيه الحدّ. و غَلَا السعر غَلَاءً. و أغْلَى‏ اللَّه السعر. و غَلَوْتُ‏ بالسهم‏ غَلْواً: إذا رميتَ به أبعدَ ما تقدر عليه. و الغَلْوَةُ: الغاية مِقدار رميةٍ. و في المثل: «جَرْى المُذَكِّيَاتِ‏ غِلَاءٌ».۳

وجميع المعاني المذكورة ترجع إلی الارتفاع ومجاوزة الحدّ والإفراط في الشيء، ولهذا كتب ابن فارس في بيان المعنی الأصلي لهذا الجذر قائلاً:

الغين و اللام و الحرف المعتلّ أصلٌ صحيحٌ في الأمر، يدلُّ على ارتفاع و مجاوزةِ قَدْر. يقال: غَلا السِّعر يغلو غَلاءً، و ذلك ارتفاعُه. و غَلا الرَّجلُ في الأمر غُلُوَّا، إذا جاوَزَ حدَّه. و غَلا بسَهْمِه‏ غَلْواً، إذا رَمَى به سَهْماً أقصى غايتِه.۴

ومن الواضح من الاستعمالات المذكورة أنّ الإفراط والغلوّ يمكن أن ينال جوانب مختلفة، بعضها إرادي وبعضها غير إرادي؛ فنجد إطلاقه علی المغالاة في السهم وهو أمر إرادي، كما يستعمل في الإفراط في الطول وهو غير إرادي. كما أنّه قد ينال الجانب المادّي من الحياة كغلو الأسعار، وقد ينال الجانب الفكري والعقيدي كغلوّ اليهود في دينهم.

ب ـ الغلوّ في القرآن الكريم

إذا راجعنا الجذر «غلو» في القرآن الكريم وجدنا استعماله في الآيتين التاليتين فقط:

1.. كتاب العين، ج‏۴، ص: ۴۴۶ «غلو، غلي»‏. واُنظر: الصحاح: ج۶ ص۲۴۴۸ «غلا» ولسان العرب: ج۱۵ ص۱۳۱ «غلا».

2.. جمهرة اللغة: ج۲ ص۹۶۱ «غلو».

3.. الصحاح: ج۶ ۲۴۴۸ «غلا».

4.. معجم مقاييس اللغة: ج۴ ص۳۸۷ «غلوى‏».


دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
28

الذي وثّقه الشيخ، وقال فيه النجاشي ما قال في «سهل»، فحكموا بوثاقته مع بنائهم على تقديم الجارح خصوصاً إذا كان مثل النجاشي، وهكذا في غيره.۱

الوجه الثاني: شهادة أحمد بن محمّد بن عيسى عليه بالغلوّ والكذب

هذا هو ثاني الوجوه المهمّة في الطعن في سهل بن زياد؛ إذ نسب إليه الغلوّ والكذب من قبل شخصية مرموقة في قم تتمّثل في أحمد بن محمّد بن عيسی، والذي ذكر هذه النسبة هو أبرز علماء الرجال أعني النجاشي، فلابدّ من بیان ذلك ودراسته. وعلينا أوّلاً أن نبيّن معنی الغلوّ والكذب في اللغة والاصطلاح واستعمالاتهما في القرآن والحديث، ثمّ نلاحظ المعنی المقصود في العبارة المذكورة من خلال القرائن، وبالتالي نقيّم الوجه المذكور.

أوّلاً: الغلوّ

لا شكّ أن لكلّ لفظ معنی أو معان لغوية، وقد يكون له مع ذلك معنی أو معان اصطلاحية أيضاً، فإذا لم يكن له إلّا معنی واحد تعيّن حمله عليه، وأمّا إذا ما تعدّدت معانيه فلابدّ من لحاظ القرائن الدالّة علی المعنی المقصود منه في العبارة.

والنقطة التي نثير الانتباه لها هي أنّ بعض الألفاظ قد يستعمل بمعنی أو معان في فترة معيّنة، ثمّ يترك استعماله فيها فيما بعد، فإذا ما ورد علينا لفظ من هذا القبيل وغفلنا عن ذلك وحملناه علی المعنی السائد في العصر الحاضر، والحال أنّه غیر مقصود للمتكلّم بالمرّة، حینها یکون المعنی المفهوم منه خاطئاً. وهذا من الأبحاث اللغوية التي اتّسع البحث عنها في العقود الأخيرة تحت عنوان «التطوّر الدلالي للألفاظ»، فمن أراد الاستزادة فليراجع الكتب الخاصّة بذلك.

وبما أنّ العبارة المذكورة صدرت في القرن الثالث من قبل أحمد الأشعري، ثمّ نقلها النجاشي في القرن الخامس، فمن المحتمل أن يكون الغلوّ والكذب المستخدمان فيها بغير المعاني المعاصرة، فلابدّ إذن من دراسة جميع المعاني المحتملة.

أ ـ الغلوّ لغة

كتب الخليل الفراهيدي (المتوفّی ۱۷۵ ه‍) في معنی الغلوّ قائلاً:

1.. خاتمة المستدرك: ج۵ ص۲۲۶ ـ ۲۲۷.

  • نام منبع :
    دراسة في شخصیة سهل بن زیاد و روایاته
    سایر پدیدآورندگان :
    حيدر المسجدي
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1395
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 19480
صفحه از 348
پرینت  ارسال به