405
الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)

منقولٌ عن الإمام الصادق عليه السلام، ويبدو أنّه يشير إلى الحديث المروي عنه عليه السلام:
إنَّ العَبدَ إذا صَلّى الصَّلاةَ في وَقتِها وحافَظَ عَلَيها، ارتَفَعَت بَيضَاءَ نَقيَّةً، تَقولُ: حَفِظتني حَفِظَكَ اللَّهُ، وإذا لَم يُصَلِّها لِوَقتِها ولَم يُحافِظ عَلَيها، ارتَفَعَت سَوداءَ مُظلِمَةً، تَقولُ: ضَيَّعتَني ضَيَّعَكَ اللَّهُ .۱

كما أشارت معظم التفسيرات الاُخرى إلى هذين المعنيين، رغم أنّها لم تعمد إلى حلّ هذا الاختلاف الظاهري. ولعلّ بالإمكان القول: إنّ المفسّرين اعتبروا كلا القولين متوافقين، وأنّهما فردان من معنى كلّي واحد، بمعنى أنّ أبرز أفراد «التضييع» هو الترك الكامل للصلاة، وفرده الآخر عدم رعاية حدودها وشروطها وأجزائها الأصلية مثل الوقت .

وبعبارة اُخرى: إنّ من يؤخّر الصلاة إلى درجة بحيث ينتهي وقت أدائها وعليه أن يقضيها في خارج وقتها، لا يحقّق الهدف الحقيقي للصلاة، وهو الذكر الدائم للَّه، ويكون قد أضاعها، خاصّة إذا تحوّل هذا العمل إلى عادة وحدث بنحو متكرّر. وبذلك يمكن اعتبار رواية الإمام الصادق عليه السلام ناظرة للمصداق الأخير للتضييع، أي الأداء في غير الوقت، دون أن تكون قد نفت المصداق الأوّل؛ لأنّ المصداق الأوّل (ترك الصلاة كلّياً) يعتبر مصداق الإضاعة بوضوح، ولاشكّ في أنّه ستتلوها مضارّها، مثل الابتلاء بالغيّ وعاقبة السوء. وبسبب هذا الوضوح فقد غضّ الإمام عليه السلام النظر عن ذكرها، وعمد إلى بيان المصاديق الاُخرى.

وختاماً نقول: إنّ بإمكاننا أن نعتبر التفسيرين السابقين بصدد بيان المصداقين الأبرز لإضاعة الصلاة، وليسا لبيان المصاديق الانحصارية، وعلى هذا الأساس فإنّ الإضاعة يمكن أن تكون لها مصاديق أدنى، مثل عدم الاهتمام غير الموجّه باُمور كأوّل الوقت، والصلاة جماعةً، وغيرهما، كما ذُكر في المقابل الاهتمام بهذه الاُمور باعتبارها علامات المحافظة على الصلاة.

1.راجع: ح ۱۰۱۰.


الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
404

«ض ي ع» أصل صحيح يدلّ على فوت الشي‏ء وذهابه وهلاكه .۱

وفسّره العالم اللغوي الآخر ابن منظور بمعنى «الهلاك» أيضاً، ونقل تفسيرين بشأن الآية ۵۹ من سورة مريم ، أحدهما أداء الصلاة في خارج وقتها، والآخر تركها بنحو كامل وعدم أدائها على الدوام، ويرى أنّ التفسير الثاني أكثر تناسباً مع سياق الآية؛ لأنّ المراد من الآية الكفّار وتاركو الصلاة، ودليله استثناء التائبين والمؤمنين في الآية التالية .۲

وفضلاً عن هؤلاء فقد كتب ابن الأثير - الشهير بغريب الحديث - في «الإضاعة»، قائلاً:
إنّه نهى عن إضاعة المال: يعني إنفاقه في غير طاعة اللَّه تعالى، والإسراف والتبذير .۳

ومن الواضح أنّ جميع ما ذُكر يؤدّي إلى إتلاف المال وإضاعته. والنتيجة أنّ هذه الكلمة تعني في اللغة - وكذلك في استخداماتها في النصوص الدينية - ترك الشي‏ء وإتلافه وإهلاكه، وبكلمة واحدة إضاعة الشي‏ء سواء كان بتركه رأساً، أم بإدائه غير الصحيح ودون لحاظ شروطه ولوازمه بحيث لا تحصل نتيجته وفائدته، وفي هذه الحالة لايختلف عن تركه، ويمكن اعتباره هالكاً وضائعاً.

تضييع الصلاة من وجهة نظر المفسّرين‏

استناداً إلى قول أمين الإسلام الطبرسي،۴ فإنّ كثيراً من المفسّرين القدامى يرون أنّ هذه الآية من سورة مريم تتناول تأخير الصلاة وأداءها في غير وقتها، كما اعتبرت طائفة قليلة الآية متعلّقة بترك الصلاة. ويرى الطبرسي دون أن يذكر مستنده أنّ المعنى الأوّل

1.معجم مقاييس اللغة: ج‏۳ ص ۳۸۰ مادّة «ضيع».

2.راجع: لسان العرب: ج‏۸ ص ۲۳۱ مادّة «ضيع».

3.النهاية : ج‏۳ ص ۱۰۸ مادّة «ضيع».

4.راجع: مجمع البيان: ج‏۶ ص ۸۰۳.

  • نام منبع :
    الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8165
صفحه از 523
پرینت  ارسال به