373
الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)

أجازه في كلّ الأوضاع بإذن اللَّه، سواء وجد ما يدعو إليه أم لم يوجد. ولا شك في أنّ أداء صلاتين في وقت الفضيلة أفضل من أدائهما في الوقت المشترك بينهما، ولكن من أجل أن لا تقع الاُمّة في الحرج والمشقّة جعلت الشريعة وقت الصلاة أوسع نطاقاً من وقت الفضيلة، ويجب العلم أيضاً بأنّ وقوع الاُمّة في الحرج لاينحصر بالأعذار والحاجة فحسب، بل يشمل تكليف الناس بالصلاة منفصلةً في جميع الأوقات.

وخلاصة القول: إنّ التشريع الذي صدر عن الرسول صلى اللّه عليه و آله في جواز الجمع بين الصلاتين كان بإذن اللَّه عزّ وجلّ، ووهب الشريعة مرونة لتواكب التطوّر البشري على مرّ الزمان في جميع مجالات الحياة. ونظرة دقيقة إلى الحياة الصناعية للعالم الحديث تكشف عن مدى صعوبة أداء الصلاتين على انفصال - ولاسيما صلاة الظهر والعصر - وبخاصّة للعمّال والموظّفين بنحو تضطرّهم إلى تحمّل صعوبات كثيرة أو ترك الصلاة والإعراض عنها.

وجدير بجميع علماء الاُمّة الإسلامية في اجتهادهم الديني أن يدركوا الحكمة من اليسر الذي انطوت عليه السنّة النبوية، وينظروا إليها بعين الإجلال والتقدبر، ويعلنوا بصراحة: أنّه على الرغم من أفضلية صلاة الظهر والعصر في وقتهما، إلّا أنّ الجمع بينهما جائز وموافق للشريعة، وكلّ من جمعهما معاً فقد أدّى واجبه الشرعي.


الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
372

۳ . إنّ المرض هو السبب في الجمع بين الصلاتين.

وهذا التأويل غير مقبول أيضاً؛ لأنّ بعض الروايات قُيّدت بعبارة «من غير خوف ولاعلّة»، وفي بعض آخر ب «من غير مرض ولا علّة»، وهذا يعني أنّ عمل الرسول صلى اللّه عليه و آله في الجمع بيت الصلاتين لم يتمّ بسبب المرض أو أعذار اُخرى، إضافة إلى أنّ جمع ابن عبّاس لصلاتي المغرب والعشاء من دون أن يكون مريضاً يبطل هذا الادّعاء أيضاً.

كما أنّ تأخير الصلاة لوكان لمرض فالجمع بين الصلاتين جائز للمريض فقط، لا لمن كان سالماً، في حين أنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله - كما يعلم من ظاهر الحديث - صلّى مع كلّ الحاضرين جماعة، واحتمال أنّ جميع الصحابة كانوا مرضى في ذلك الوقت بعيد جدّاً، وقد صرّح ابن عبّاس في روايته بهذا الأمر أيضاً. وعلى هذا الأساس نقل الخطّابي في معالم السنن عن ابن منذر أنّه قال:
ولا معنى لحمل الأمر فيه على عذر من الأعذار؛ لأنّ ابن عبّاس قد أخبر بالعلّة فيه، وهو قوله: «أراد أن لا تحرج اُمّته». وحكي عن ابن سيرين أنّه كان لا يرى بأساً أن يجمع بين الصلاتين إذا كانت حاجة أو شي‏ء ما لم يتّخذه عادة .۱

وقال أحمد محمّد شاكر محقّق كتاب سنن الترمذي بعد نقل كلام الخطّابي بأنّ هذا الكلام صحيح ويُستنبط من الحديث، وأمّا حمل عمل الرسول صلى اللّه عليه و آله على وقت المرض أو غيره فقول بلا دليل، وجواز هذا العمل يوجب رفع كثير من المشقّة عمّن يتعرّض لأوضاع تضطرّه للجمع بين الصلاتين، ويوفّر نوعاً من الراحة والمعونة للناس من أجل إطاعة اللَّه وعبوديته، وبالطبع كما قال ابن سيرين مالم يُتّخذ عادة.۲

وما قاله هذا المحقّق على الرغم من صحّته ولكنّه تضييق أمر وسّعه الرسول صلى اللّه عليه و آله ، فقد ذكر أنّ جواز الجمع بين الصلاتين منحصر بمن اضطر إليه، في حين أنّ الرسول صلى اللّه عليه و آله

1.معالم السنن: ج ۱ ص ۲۲۹ .

2.سنن الترمذي: ج ۱ ص ۳۵۸ .

  • نام منبع :
    الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10016
صفحه از 523
پرینت  ارسال به