قالَ رَجُلٌ لابن عَبّاسٍ: الصَّلاةَ فَسَكَتَ ، ثُمَّ قالَ: الصَّلاةَ فَسَكَتَ ، ثُمَّ قالَ: الصَّلاةَ فَسَكَتَ ، ثُمَّ قالَ : لا اُمَّ لَكَ ! أتُعَلِّمُنا بِالصَّلاةِ و كُنّا نَجمَعُ بينَ الصَّلاتينِ عَلى عَهدِ رَسولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله ؟!۱
يلاحظ في هذه الروايات دلالتها الصريحة على أنّ رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين في المدينة على غير خوف أو مطر أو أيّ عامل آخر؛ ليبيّن أنّ جمع الصلاتين جائز ومشروع، ولكي لايظن أحد أنّ الفصل بينهما واجب لأنّ الرسول فصلهما عن بعضهما وصلّى كلّ واحدة في وقت فضيلتها.
وبعبارة اُخرى: لقد أثبت رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله بهذا العمل أنّ الأفضل أداء كلّ من الصلاتين في وقته، وأمّا الجمع بينهما فجائز.
ولأنّ هذه الروايات خالفت رأي أهل السنة فقد سعوا إلى تأويلها لتنسجم مع فتاواهم. ومن تأويلاتهم:
۱ . إنّ الجمع الوارد في الأحايث بين الصلاتين في الحضر بمعنى أنّ الرسول صلى اللّه عليه و آله أخّر صلاة الظهر بأربع ركعاتها إلى نهاية وقتها، حتّى إذا صلاها حلّ وقت العصر فأدّى صلاته، وبهذا صلّى كلّاً منهما في وقته كما أنّه جمع بينهما.
وفي نقد هذا التأويل نقول: إنّه مخالف لظاهر الحديث، كما يدلّ بصراحة على ردّه عملُ ابن عبّاس عند خطبته، واستدلاله بهذا الحديث لتبرير عمله، وتأييد أبي هريرة له.۲
۲ . إنّ روايات الجمع بين الصلاتين تخصّ الأيّام الممطرة.
وذكر النووي في نقده لهذا الرأي بأنّه مشهور عن جماعة من كبار المتقدّمين، ولكنّه ضعيف بالروايات الاُخرى الحاكية عن أنّ الرسول صلى اللّه عليه و آله جمع بين الصلاتين من غير خوف أو مطر .۳