367
الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)

تقصير الصلاة في مذهب أهل البيت عليهم السلام

أكّد أئمّة أهل البيت عليهم السلام على شيعتهم تقصير الصلاة في أيّام السفر، واتّبع فقهاء الشيعة قول الرسول صلى اللّه عليه و آله وأهل بيته فيها، فاجتمعت فتاواهم على القصر في الصلاة. نقل زرارة ومحمّد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام مايلي:
قُلنا لِأَبي جَعفَر عليه السلام : ما تَقولُ فِي الصَّلاةِ في السَّفَر كَيفَ هِيَ و كَم هِي؟ فَقالَ : إنَّ اللَّهَ عزّ و جلّ يَقولُ : «وَإِذَا ضَرَبتُم فِى الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَوةِ» فَصارَ التَّقصيرُ فِي السَّفَرِ واجِباً كَوُجوبِ التَّمامِ فِي الحَضَرِ، قالا : قُلنا : إنَّما قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ : «فَلَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ» ولَم يَقُل : اِفعَلوا، فَكَيفَ أوجَبَ ذلِكَ كما أوجَبَ التَّمامَ فِي الحَضَرِ؟ فَقالَ عليه السلام : أو لَيسَ قَد قالَ اللَّهُ عزّ و جلّ فِي الصَّفا وَ المَروَةِ : «فَمَن حَجَّ البَيتَ أَوِ اعتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا»؟ ألا تَرونَ أنَّ الطَّوافَ بِهِما واجِبٌ مَفروضٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عزّ و جلّ ذَكَرَهُ فِي كِتابِهِ و صَنَعَهُ نَبِيُّهُ صلى اللّه عليه و آله ، و كَذلِكَ التَّقصيرُ فِي السَّفَرِ شَيٌ‏ء صَنَعَهُ النَّبِيُّ صلى اللّه عليه و آله و ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعالى‏ ذِكرُهُ فِي كِتابِهِ ؟۱

المؤسّس لإتمام الصلاة في السفر

تصرّح الشواهد التاريخية بأنّ الخليفة الثالث عثمان هو أوّل شخص أتمّ الصلاة في السفر بعد مرور عدّة سنوات من خلافته، وفيما يلي نعرض بعض الأخبار التاريخية في الموضوع:

جاء في تاريخ الطبري:
حجّ بالناس في هذه السنة [سنة تسع وعشرين‏] عثمان، فضرب بمنى فسطاطاً، فكان أوّل فسطاط ضربه عثمان بمنى، وأتمّ الصلاة بها وبعرفة. فذكر الواقدي عن عمر بن صالح بن نافع عن صالح مولى التوأمة، قال: سمعت ابن عبّاس يقول: إن أوّل ما تكلّم الناس في عثمان ظاهراً أنّه صلّى بالناس بمنى في ولايته ركعتين حتى إذا

1.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۴۳۴ ح ۱۲۶۵.


الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
366

أدلّة المعتقدين بالرخصة

الحقيقة أنّ أدلّة فقهاء أهل السنّة المعتقدين بالرخصة تعاني من ضعف شديد، فالشافعي في كتابه الاُمّ اتّخذ عبارة «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ» دليلاً على رأيه، وتبعه الماوردي في كتاب الحاوي الكبير، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وابن قدامة في المغني، في حين أنّ بعض موارد الاستفادة من المفردة المذكورة في القرآن الكريم - أي آية السعي بين الصفا والمروة - توضح النقص في استدلال الشافعي والقائلين برأيه.

الدليل الآخر للمعتقدين بالرخصة حديث يعلى بن اُمية، حيث عدّ قصر الصلاة بمنزلة الصدقة الإلهية، وأضاف إليه المستدلّون أصلَ «قبول الصدقة ليس واجباً»، ليخرجوا بنتيجة أنّ قصر الصلاة رخصة ليس أكثر. وفي مايلي نصّ حديث يعلى بن اُمية:
سألت عمر بن الخطّاب قلت: «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» و قد أَمَّنَ اللَّه الناس؟ فقال لي عُمَرُ : عجبتُ ممّا عجبتَ مِنهُ فَسَألتُ رسولَ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله عَن ذلِكَ ، فَقالَ : صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِها عَلَيكُم فَاقبَلوا صَدَقَتَهُ .۱

وما غفل عنه هذا الاستدلال أنّ الصدقات التي لايعدّ قبولها واجباً صدقاتٌ تصدر عن أيدي الناس قد يتنافى قبولها مع عزّة نفس آخذها، في حين أنّ قبول الصدقات الإلهية هو العزّة بنفسها، والنتيجة أنّ هذا الاستدلال قياس لصدقة الخالق بصدقة الناس، وهو قياس مع الفارق.

وشاهد القول عبارة الحديث ب «فاقبلوا صدقته» التي جاءت في جواب رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله لتعجّب عمر في سؤاله: (لماذا تؤدّى الصلاة قصراً في زمن الأمان وعدم الخوف من العدو؟) واستدلّ فيها على قبول الصدقة الإلهية على أنّها تكليف شرعي.

1.مسند ابن حنبل : ج ۱ ص ۶۴ ح ۱۷۴ .

  • نام منبع :
    الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8101
صفحه از 523
پرینت  ارسال به