أدلّة المعتقدين بالرخصة
الحقيقة أنّ أدلّة فقهاء أهل السنّة المعتقدين بالرخصة تعاني من ضعف شديد، فالشافعي في كتابه الاُمّ اتّخذ عبارة «لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ» دليلاً على رأيه، وتبعه الماوردي في كتاب الحاوي الكبير، والفخر الرازي في التفسير الكبير، وابن قدامة في المغني، في حين أنّ بعض موارد الاستفادة من المفردة المذكورة في القرآن الكريم - أي آية السعي بين الصفا والمروة - توضح النقص في استدلال الشافعي والقائلين برأيه.
الدليل الآخر للمعتقدين بالرخصة حديث يعلى بن اُمية، حيث عدّ قصر الصلاة بمنزلة الصدقة الإلهية، وأضاف إليه المستدلّون أصلَ «قبول الصدقة ليس واجباً»، ليخرجوا بنتيجة أنّ قصر الصلاة رخصة ليس أكثر. وفي مايلي نصّ حديث يعلى بن اُمية:
سألت عمر بن الخطّاب قلت: «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَوةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا» و قد أَمَّنَ اللَّه الناس؟ فقال لي عُمَرُ : عجبتُ ممّا عجبتَ مِنهُ فَسَألتُ رسولَ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله عَن ذلِكَ ، فَقالَ : صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِها عَلَيكُم فَاقبَلوا صَدَقَتَهُ .۱
وما غفل عنه هذا الاستدلال أنّ الصدقات التي لايعدّ قبولها واجباً صدقاتٌ تصدر عن أيدي الناس قد يتنافى قبولها مع عزّة نفس آخذها، في حين أنّ قبول الصدقات الإلهية هو العزّة بنفسها، والنتيجة أنّ هذا الاستدلال قياس لصدقة الخالق بصدقة الناس، وهو قياس مع الفارق.
وشاهد القول عبارة الحديث ب «فاقبلوا صدقته» التي جاءت في جواب رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله لتعجّب عمر في سؤاله: (لماذا تؤدّى الصلاة قصراً في زمن الأمان وعدم الخوف من العدو؟) واستدلّ فيها على قبول الصدقة الإلهية على أنّها تكليف شرعي.