365
الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)

الجهادي، غير أنّ مراجعة الآراء التفسيرية والفتاوى الفقهية تبيّن أنّ علماء الإسلام - ماعدا القليل منهم - يرون أنّ الحكم يشمل مختلف الأسفار.

قصر الصلاة رخصة أم عزيمة؟

سؤال مهمّ يتردّد في أوساط علماء المذاهب الإسلامية، وهو: هل حكم التقصير للصلاة مجرّد رخصة فيتخيّر المصلّي بين التقصير والإتمام في أيّام سفره، أم هو عزيمة ولامفرّ له من تقصير الصلاة؟

منشأ هذا السؤال عبارة «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ»، فمعناها لغوياً: أنّه لامانع من تقصير الصلاة، ويلزم منه أنّه ليس واجباً. ومن جهة اُخرى تفيد موارد الاستفادة من هذا التعبير في القرآن الكريم أنّ بعضاً منها في الأقلّ - كآية السعي بين الصفا والمروة - معناها العزيمة بدون شكّ، كما يمكن فهم الرخصة والجواز من نماذج قرآنية اُخرى ، ولذلك لايستنتج من آية قصر الصلاة أكثر من أصل تشريع التقصير لصلاة المسافر، ويجب الرجوع إلى السنّة النبوية لتعرّف أحكام وجزئيات التقصير في الصلاة.

وهنا لا تدع الأحاديث النبوية في المصادر الحديثية للشيعة وأهل السنّة مجالاً للترديد في أنّ حكم صلاة القصر عزيمة لا رخصة، أحاديثُ وقفنا قبل قليل عند موردين منها، وهنا يستقطب الأنظار حديثان لشخصيتين معروفتين من الصحابة: قال ابن عبّاس :
فرض اللَّه الصلاة على لسان نبيّكم في الحضر أربعاً و في السفر ركعتين و في الخوف ركعة.۱

ونقل عن مورّق أنّه قال:
سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر، فقال: ركعتين ركعتين، من خالف السنّة فقد كفر.۲

1.مسند ابن حنبل : ج ۱ ص ۵۴۷ ح ۲۲۹۳.

2.مجمع الزوائد : ج ۲ ص ۳۵۷ ح ۲۹۳۶.


الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
364

السَّفَرِ عَلى‏ حالِها.۱

وثانيتهما عن الإمام الباقر عليه السلام حيث قال:
قد سافَرَ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله إلى‏ ذي خَشَبٍ و هِيَ مَسيرَةُ يومٍ مِنَ المَدينَةِ يَكونُ إلَيها بَريدانِ أربَعَةٌ و عِشرونَ ميلاً، فَقَصَّرَ و أفطَرَ فَصارَت سُنَّةً. و قَدَ سَمّى‏ رَسولُ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله قوماً صاموا حينَ أفطَرَ : العُصاةَ ، قالَ عليه السلام : فَهُمُ العُصاةُ إلى‏ يَومِ القِيامَةِ .۲

وعلى هذا الأساس اتّفقت آراء جميع المذاهب في هذا الموضوع على أنّ صلاة المسافر قصراً أمر مشروع في الشريعة الإسلامية. قال الجزيري في كتابه:
و قد أجمعت الاُمّة على مشروعية القصر.۳

ومع ذلك فإنّ نظرة في الكتب الفقهية تفصح عن وقوع اختلاف في كيفية صلاة القصر وأحكامها، إذ يرى الإمامية والحنفية أنّ تقصير الصلاة الرباعية واجب تعييني، وترى فرق أهل السنّة الاُخرى جوازه فقط، على الرغم من أنّهم أنفسهم ليسوا متّفقين على أفضلية التقصير أو الإتمام.۴

صلاة القصر في القرآن‏

ذكر القرآن الكريم صلاة القصر في سورة النساء بالنحو الآتي:
«وَ إِذا ضَرَبتُم فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفتِنَكُمُ الَّذينَ كَفَرُوا إِنَّ الكافِرينَ كانُوا لَكُم عَدُوًّا مُبيناً» .۵

وعلى الرغم من أنّ الحكم في نهاية الآية قد يظهر منه أنّ قصر الصلاة يتعلّق بالسفر

1.مجمع الزوائد : ج ۲ ص ۳۶۰ .

2.كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۴۳۵ ح ۱۲۶۵.

3.الفقه على المذاهب الأربعة : ج ۱ ص ۶۰۸.

4.راجع : بداية المجتهد: ج ۱ ص ۱۳۴.

5.النساء : ۱۰۱ .

تعداد بازدید : 8726
صفحه از 523
پرینت  ارسال به