359
الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)

إضافة إلى تعدّد روايات المجموعة الاُولى وقوّتها اللافتة للنظر، فاعتراض عامّة أهل المدينة على معاوية وعدم بقائه على السنّة الشائعة في البسملة، شاهد صريح على استمرار السيرة النبويّة في الجهر بها حتّى ذلك الوقت. وقد صوّر السيوطي في تفسيره والشافعي في كتاب الاُمّ والدار قطني والبيهقي في سننهما بدعة معاوية والاعتراض العامّ عليه كما سنذكره لاحقاً.

والملاحظة الآتية تستوقفنا للقول بأنّ موضوعين، أحدهما: ترك البسملة في الصلاة بذريعة أنّها ليست جزءاً من السور، والآخر: الإخفات بالبسملة، مترابطان مع بعضهما، ويسعيان من زوايتين نحو هدف واحد هو: أن يخبو في الصلاة بهاء هذه العبارة التي نطق بها الوحي.

أخرج السيوطي في الدرّ المنثور:
أنّه [معاوية] قدم المدينة، فصلّى بهم ولم يقرأ: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم»، ولم يكبّر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون والأنصار حين سلّم: يا معاوية، أسرقت صلاتك؟أين «بسم اللَّه الرحمن الرحيم»؟وأين التكبير؟فلمّا صلّى بعد ذلك قرأ «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» لاُمّ القرآن وللسورة التي بعدها، وكبّر حين يهوي ساجداً .۱

وجليّ أنّ نداء الصحابة والتابعين إشارة إلى كون البسملة جزءاً من سورة الفاتحة والسور الاُخرى، وأنّ الجهر بها في الصلاة من المسلّمات لديهم، ولو كان الأمر خلافاً لذلك لورد خبر عن معاوية والمنتمين لفكره لتوجيه عمله المذكور.

تغيّر سنّة الجهر بالبسملة

استمرّ الجهر بالبسملة إلى بداية حكم بني اُميّة وفقاً لنقل محدّثي الشيعة وأهل السنّة، وعلى الرغم من أنّ معاوية تراجع مضطرّاً نتيجة للاعتراض الشعبي على تغيير السيرة الجارية في البسملة، إلّا أنّ مسؤولي دولته واصلوا هدفه المتعثّر في فرص اُخرى

1.الدرّ المنثور : ج ۱ ص ۲۱.


الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
358

ومن هنا أجمع فقهاء الإمامية على وجوب الجهر بالبسملة في صلاة الصبح والمغرب والعشاء والجمعة، وعلى مطلوبيّته في بقيّة الصلوات.

سنّة الجهر بالبسملة في عمل الصحابة

التزم أمير المؤمنين عليه السلام والصحابة الآخرون وحتى الخلفاء الثلاثة بسنّة الجهر بالبسملة، وورد في روايات معتبرة عن عمّار وأنس وعبد اللَّه بن مسعود وعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن الزبير وعائشة وغيرهم من الصحابة الذين صلّوا خلف رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام وأبي بكر وعمر وعثمان، أنهم جميعاً جهروا بالبسملة. قال الفخر الرازي:
الجهر بذكر اللَّه يدلّ على كونه مفتخراً بذلك الذكر غير مبالٍ بإنكار من ينكره، ولاشكّ أنّ هذا مستحسن في العقل، فيكون في الشرع كذلك...ومثل هذا كيف يليق بالعاقل أن يسعى في إخفائه؟ ولهذا السبب نقل أنّ عليّاً رضى اللّه عنه كان مذهبه الجهر ببسم اللَّه الرحمن الرحيم في جميع الصلوات. وأقول: إنّ هذه الحجّة قويّة في نفسي، راسخة في عقلي، لا تزول ألبتّة بسبب كلمات المخالفين.۱

ثمّ واصل الفخر الرازي حديثه قائلاً:
روى البيهقي في (السنن الكبير) عن أبي هريرة قال: كان رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله يجهر في الصلاة ببسم اللَّه الرحمن الرحيم، ثمّ إنّ الشيخ البيهقي روى الجهر عن عمر بن الخطّاب وابن عبّاس وابن عمر وابن الزبير، وأمّا أنّ عليّ بن أبي طالب رضى اللّه عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر، ومن اقتدى في دينه بعليّ بن أبي طالب فقد اهتدى، والدليل عليه قوله صلى اللّه عليه و آله : «اللّهمّ أدر الحقّ مع عليّ حيث دار» .۲

وعلى هذا الأساس يقيّم عددٌ ممّا نسب إلى الرسول صلى اللّه عليه و آله وبعض الصحابة من أخبار حاكية عن أنّهم صلّوا بإخفات‏۳ على أنّها محاولة لتبرير بدعة بني اُميّة.

1.تفسير الفخر الرازي : ج ۱ ص ۲۰۹ .

2.تفسير الفخر الرازي : ج ۱ ص ۲۱۰ .

3.راجع : الدرّ المنثور : ج ۱ ص ۲۹ .

  • نام منبع :
    الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8116
صفحه از 523
پرینت  ارسال به