إضافة إلى تعدّد روايات المجموعة الاُولى وقوّتها اللافتة للنظر، فاعتراض عامّة أهل المدينة على معاوية وعدم بقائه على السنّة الشائعة في البسملة، شاهد صريح على استمرار السيرة النبويّة في الجهر بها حتّى ذلك الوقت. وقد صوّر السيوطي في تفسيره والشافعي في كتاب الاُمّ والدار قطني والبيهقي في سننهما بدعة معاوية والاعتراض العامّ عليه كما سنذكره لاحقاً.
والملاحظة الآتية تستوقفنا للقول بأنّ موضوعين، أحدهما: ترك البسملة في الصلاة بذريعة أنّها ليست جزءاً من السور، والآخر: الإخفات بالبسملة، مترابطان مع بعضهما، ويسعيان من زوايتين نحو هدف واحد هو: أن يخبو في الصلاة بهاء هذه العبارة التي نطق بها الوحي.
أخرج السيوطي في الدرّ المنثور:
أنّه [معاوية] قدم المدينة، فصلّى بهم ولم يقرأ: «بسم اللَّه الرحمن الرحيم»، ولم يكبّر إذا خفض وإذا رفع، فناداه المهاجرون والأنصار حين سلّم: يا معاوية، أسرقت صلاتك؟أين «بسم اللَّه الرحمن الرحيم»؟وأين التكبير؟فلمّا صلّى بعد ذلك قرأ «بسم اللَّه الرحمن الرحيم» لاُمّ القرآن وللسورة التي بعدها، وكبّر حين يهوي ساجداً .۱
وجليّ أنّ نداء الصحابة والتابعين إشارة إلى كون البسملة جزءاً من سورة الفاتحة والسور الاُخرى، وأنّ الجهر بها في الصلاة من المسلّمات لديهم، ولو كان الأمر خلافاً لذلك لورد خبر عن معاوية والمنتمين لفكره لتوجيه عمله المذكور.
تغيّر سنّة الجهر بالبسملة
استمرّ الجهر بالبسملة إلى بداية حكم بني اُميّة وفقاً لنقل محدّثي الشيعة وأهل السنّة، وعلى الرغم من أنّ معاوية تراجع مضطرّاً نتيجة للاعتراض الشعبي على تغيير السيرة الجارية في البسملة، إلّا أنّ مسؤولي دولته واصلوا هدفه المتعثّر في فرص اُخرى