349
الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)

رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله : مَن تَوَضَّأَ نَحوَ وُضوئي هذا ، ثُمَّ صَلّى‏ رَكعَتَينِ لا يُحَدِّثُ فيهِما نَفسَهُ، غُفِرَ لَهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِهِ .۱

نظرة في رواية عبد اللَّه بن عمرو

روى البخاري في صحيحه عن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص في غسل الرجلين عند الوضوء الروايةَ التالية:
تخلّف عنّا النبي صلى اللّه عليه و آله في سفرة سافرناها ، فأدرَكَنا - و قد أرهَقتنا الصلاة - و نحن نتوضّأ ، فجَعَلنا نمسح على أرجلنا، فنادى بأعلى صوته: وَيلٌ لِلأَعقابِ مِنَ النّارِ! مرّتين أو ثلاثاً.۲

وعلى فرض صحّة هذه الرواية فلا دلالة لها على غسل الرجلين في الوضوء، ويبدو أنّها ناظرة إلى وضع العرب حديثي الإسلام الذين ألفوا الثقافة الجاهلية، وربّما لهذا لم ينتعلوا أحذية مناسبة، وتبوّلوا وهم واقفون وفقاً لعادات العصر الجاهلي، وطبيعي أن تتلوّث وتتنجّس أرجلهم، ومن جهة اُخرى ليس ببعيد أن يقفوا للصلاة بأرجل ملوّثة في تلك الأوضاع الثقافية، الأمر الذي استجلب نقداً هادياً من رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله .

تأسيساً على مامرّ ينبغي أن يقيَّم قول الرسول صلى اللّه عليه و آله على أنّه محاولة لتصحيح هذه العادة السيّئة، وحثّ نحو تطهير الأرجل الملوّثة عند الإقدام على الصلاة، غير أنّ مسح الأرجل كان جزءاً من الوضوء حتّى ذلك اليوم كما صرّح الرواي، والاستعاضة عنه ب (غسل الأرجل) استناداً إلى قول رسول اللَّه ادّعاء يفوق تصوّر الراوي، وليس له مايؤيّده، كما أنّ الرواية المذكورة أعلاه تفتقر إلى الدلالة عليه.

وممّا يجدر ذكره تأكيداً للسنّة النبويّة على مسح الأرجل في الوضوء هو أنّ آية

1.صحيح البخاري : ج ۱ ص ۷۱ ح ۱۵۸.

2.صحيح البخاري: ج ۱ ص ۳۳ ح ۶۰.


الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
348

عهد الخليفة الأوّل والثاني، ولمدّة قليلة من عهد الخليفة الثالث، حيث بذل عثمان جهوداً مضاعفة لإعداد طريقة بديلة للوضوء تُغسل فيها الأرجل بدلاً من مسحها.

والشاهد على ذلك عدم وصول أيّ خبر يصوّر اختلافاً بين المسلمين في مسح الرجلين عند الوضوء في عهدي أبي بكر وعمر، بل لم تصدر حتّى رواية واحدة عنهما بدافع أداء واجب الحاكم الإسلامي في الدفاع عن السنّة النبويّة، وشرح كيفية وضوء الرسول صلى اللّه عليه و آله ، ومعاقبة المؤسّسين للطريقة الجديدة في الوضوء.

كما أنّ مثل تلك الروايات لم تنقل أيضاً عن الرواة المعروفين بغزارة رواياتهم كأبي هريرة الذي نقل الغثّ والسمين من الأخبار عن الرسول صلى اللّه عليه و آله ، وكذلك لم تنقل رواية مطلقاً في وضوء الرسول صلى اللّه عليه و آله بغسل الرجلين عن عبد اللَّه بن عمر وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد اللَّه وعبد اللَّه بن مسعود وعشرات الصحابة الموصوفين بكثرة الرواية، ولم يصدر عنهم أقلّ تحذير من ترك الالتزام بالطريقة النبوية الأصيلة في الوضوء، وهذا بحدّ ذاته يبيّن بجلاء عدم ظهور أيّ اختلاف بين المعاصرين للرسول صلى اللّه عليه و آله في موضوع الوضوء؛ لمشاهدتهم وضوءه أعواماً عديدة، وبشهادة الروايات السابقة يتّضح أنّ مسح الأرجل جزء منه.

وأوّل من تحدّث عن الوضوء المشتمل على غسل الأرجل وحكاه عن رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله هو عثمان بن عفّان وعبد اللَّه بن عمرو بن العاص وشخصان أو ثلاثة آخرون، ويقف في وجه رواياتهم التعارض أو موانع غيره، كما أنّ عدد الروايات الواردة عن عثمان أكثر بكثير ممّا جاء عن غيره، ومنها الرواية التالية:
عن ابن شهاب أنّ عطاء بن يزيد أخبره أنّ حمران مولى عثمان أخبره أنّه رأى عثمان بن عفّان دعا بإناء ، فأفرغ على كفّيه ثلاث مرار ، فغسله ، ثمّ أدخل يمينه في الإناء ، فمضمض و استنشق ، ثمّ غسل وجهه ثلاثاً و يديه إلى المرفقين ثلاث مرار ، ثمّ مسح برأسه ، ثمّ غسل رجليه ثلاث مرار إلى الكعبين ، ثمّ قال : قال

  • نام منبع :
    الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 10011
صفحه از 523
پرینت  ارسال به