347
الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)

كما هو متعارف بين الناس لبساطته أو لعوامل اُخرى، أي غسل الرجل وصبغ الجدران من الأعلى إلى الأسفل، وربما لم يخطر في ذهنيهما أنّ الطبيب وصاحب البيت بقوليهما: «إلى الركبة» و «إلى السقف» كانا بصدد تعيين جهة واتّجاه العمل المطلوب وآخر نقطة لانتهائه.

وعلى كلّ حال فإنّ ما يمنح هذا الاستنتاج القرآني صفة القاطعية هو الأحاديث المعتبرة الدّالة على التوضّؤ من المرفق نحو رؤوس الأصابع، في مقابل جميع مذاهب أهل السنّة التي ترى أنّ غسل الأيدي في الوضوء يجزي بأيّ نحو كان، على الرغم من أنّ الأفضل - برأيهم - هو البدء من رؤوس الأصابع إلى المفصل.۱

مسح الأرجل أم غسلها؟

ورد حديث عن الإمام الباقر عليه السلام في وصف وضوء رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله بيّن فيه أنّه كان يمسح رجليه، ويؤيّده الحديث الآتي المنقول عن بعض المصادر الروائية لأهل السنّة:
عبّاد بن تميم عن أبيه : رأَيتُ رسولَ اللَّه صلى اللّه عليه و آله يتوَضَّأ و يمسح بالماء على‏ رجلَيه .۲

وكذلك في حديث عبد اللَّه بن عمرو بن العاص - الذي يزعم أهل السنّة أنّه دليل على غسل الأرجل في الوضوء، وسننقل الحديث قريباً وننقده - حيث اعترف بجملة «فَجَعَلنا نَمْسَحُ عَلى أرْجُلِنا» بأنّ الطريقة المتّبعة قبله هي المسح.

وعلى هذا الأساس يعتقد أهل البيت عليهم السلام وأتباعهم أنّ مسح الأرجل من واجبات الوضوء، وغسلهما مرفوض؛ عملاً بسنّة رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله .

وبحث دقيق في المصادر التاريخية يفصح عن أنّ غسل الأرجل في الوضوء لم يكن له وجود إلى سنوات عديدة بعد وفاة الرسول الكريم صلى اللّه عليه و آله ، وفي الأقل إلى نهاية

1.راجع : الفقه على المذاهب الخمسة : ص ۸۰ .

2.معجم الزوائد : ج ۱ ص ۵۳۷ ح ۱۱۹۲ .


الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
346

المَرافِقِ وَ امسَحُوا بِرُؤُسِكُم وَ أَرجُلَكُم إِلَى الكَعبَينِ» .۱

حيث خاطب اللَّه تعالى المؤمنين قائلاً: إذا أردتم القيام للصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم حتى المرافق، وامسحوا رؤوسكم وأرجلكم إلى المفاصل، أو العظمين الناتئين عند ملتقى الساق بالقدم.

ووصف الإمام الباقر عليه السلام وضوء النبي صلى اللّه عليه و آله في حديث له بالنحو الآتي:
عُمَرُ بنُ أُذَينَةَ عَن زُرَارَةَ وَ بُكَيرٍ أَنَّهُمَا سَألَا أَبَا جَعفَرٍ عليه السلام عَن وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى اللّه عليه و آله ، فَدَعَا بِطَستٍ أَو تَورٍ فِيهِ مَاءٌ ، فَغَمَسَ يَدَهُ اليُمنَى ، فَغَرَفَ بِهَا غُرفَةً ، فَصَبَّهَا عَلَى وَجهِهِ ، فَغَسَلَ بِهَا وَجهَهُ ، ثُمَّ غَمَسَ كَفَّهُ اليُسرَى ، فَغَرَفَ بِهَا غُرفَةً ، فَأَفرَغَ عَلَى ذِرَاعِهِ اليُمنَى ، فَغَسَلَ بِهَا ذِرَاعَهُ مِنَ المِرفَقِ إِلَى الكَفِّ لَا يَرُدُّهَا إِلَى المِرفَقِ ، ثُمَّ غَمَسَ كَفَّهُ اليُمنَى ، فَأَفرَغَ بِهَا عَلَى ذِرَاعِهِ اليُسرَى مِنَ المِرفَقِ وَ صَنَعَ بِهَا مِثلَ مَا صَنَعَ بِاليُمنَى ، ثُمَّ مَسَحَ رَأسَهُ وَ قَدَمَيهِ بِبَلَلِ كَفِّهِ لَم يُحدِث لَهُمَا مَاءً جَدِيداً.۲

يعتقد أتباع أهل البيت عليهم السلام استناداً إلى هذه الرواية ونظائرها۳ أنّ رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله كان يغسل يديه المباركتين للوضوء من الأعلى إلى الأسفل بدءاً من المرفق إلى رؤوس الأصابع، وهذا يعني أنّ آية الوضوء فُسّرت بيد رسول اللَّه صلى اللّه عليه و آله .

وهنا تجدر الإشارة إلى ملاحظة تسترعي الانتباه، وهي أنّ المخاطبين يستنتجون من ظاهر العبارات المشابهة لما جاء في آية الوضوء مجال وحدود إنجاز أعمالهم المطلوبة، وعندما يحاولون عملياً تطبيق ما يبتغون يبدؤون عادةً من الأعلى إلى الأسفل، فمثلاً لو قال الطبيب: اغسل رجلك بالماء البارد حتى الركبة، أو قال صاحب البيت: اصبغ جدران هذه الغرفة إلى السقف ، فمن الطبيعي أن كلّاً من المريض والصبّاغ يحمل ما قيل على تعيين المجال الذي يرتئيه، ومن ثمّ يؤدّي العمل من حيث لايشعر

1.المائدة : ۶ .

2.الكافي : ج ۳ ص ۲۵ ح ۵ .

3.راجع : الكافي : ج ۳ ص ۲۴ (باب صفة الوضوء) .

  • نام منبع :
    الصّلاة فی الکتاب والسّنّة (ویراست دوم)
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1392
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 9806
صفحه از 523
پرینت  ارسال به