731
منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام

غيّرت ـ إلى حدٍّ ما ـ الجوّ الفكري والسياسي، وكان تحرّر العراق من سلطة الاُمويّين في السنوات العشر الأخيرة، قد هيّأ من جهة اُخرى الأرضيّة لمراسم العزاء على سيّد الشهداء عليه‏السلام.

ونظراً إلى ما مرّ، وفي ظلّ الظروف التي سادت آنذاك، فقد كان الإمام عليه‏السلام يتمتّع بمركز اجتماعي وفكري رفيع، وكان قد اكتسب المرجعيّة الدينيّة ؛ إذ كان الناس يرجعون إليه كثيرا. ولذلك فقد كان شعاع وجوده ونفوذ كلامه يفوق والده عليه‏السلام، وقد استغلّ الإمام الباقر عليه‏السلام كلّ ذلك من أجل تحويل العزاء إلى شعائر وتيّار فكري على مرّ التاريخ، ومن جملة ذلك بيان أقوال الإمام زين العابدين عليه‏السلام ـ باعتباره الشاهد في حادثة كربلاء ـ في فضل البكاء على الإمام الحسين عليه‏السلام، وإقامة مجالس العزاء في داره، وتشجيع منشدي المراثي على تناول أبعاد هذه المأساة في قالب الأشعار وإنشاد الرثاء، وتحريض الشيعة على إقامة مجالس العزاء في بيوتهم مع مراعاة الاحتياط؛ بهدف الأمن من ردود فعل النظام الحاكم، والاهتمام بالأدب والشعر في تخليد الحادثة، وطرح فكرة التعطيل عن العمل في يوم عاشوراء لأوّل مرّة.

۲. عهد الإمام الصادق عليه‏السلام

عندما تولّى الإمام الصادق عليه‏السلام إمامة الشيعة، كان قد مرّ نصف قرن على حادثة كربلاء الأليمة، وخلال ذلك العصر كان المجتمع قد طرأ عليه تحوّل واسع للغاية من النواحي السياسية والثقافية والعقائدية، وقد استغلّ الإمام الصادق عليه‏السلام هذا الظرف والجوّ الذي سنح له أقصى استغلال، وبذل جهوداً كبيرة من أجل بيان وتفسير أبعاد الدين المبين والقرآن الكريم، وتحتلّ حادثة كربلاء مكانة بالغة الأهمّية بين جهود الإمام الصادق عليه‏السلام، سواء من حيث القول أو العمل والسلوك، وتحظى تعاليمه عليه‏السلام بالاهتمام في تقديم إطار شعائر العزاء واُسسها العامّة، وصيغة إقامة العزاء.

كان الإمام الصادق عليه‏السلام يؤكّد على لزوم إبقاء يوم عاشوراء خالداً في الأذهان،


منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
730

بالتجمّع عند قبر الإمام عليه‏السلام وأصحابه وأقامة العزاء، ثمّ واصلوا مسيرهم.

المرحلة الثانية (إقامة العزاء كشعيرة دينيّة من قبل الأئمّة عليهم‏السلام)

ظهرت مراسم العزاء على أبي عبد اللّه‏ الحسين عليه‏السلام في هذه المرحلة باعتبارها شعيرة دينيّة، وقد اكتسبت هذه الحقيقة الشكل النهائي في ثلاث مراحل:

أوّلاً: تهيئة الأرضية (عهد الإمام زين العابدين عليه‏السلام)

تهيّأت في هذه المرحلة الأرضيّة اللاّزمة لبلورة شعائر العزاء، وتشكيل محيط مناسب لظهور شعيرة دينيّة. ويجب أن نعتبر الإمام زين العابدين عليه‏السلام صاحب الدور الرئيسي لهذه المرحلة.

وكان بكاء الإمام عليه‏السلام يثير التساؤات أحياناً، خاصّة عند رؤيته للماء وعند إحضار الطعام. وقد بلغ هذا البكاء من الكثرة والسعة درجة بحيث إنّ الناس كانوا ينصحونه بالإقلال من البكاء حفاظاً على سلامته، ولكنّ الإمام عليه‏السلام ومن خلال الإشارة إلى عمق مأساة كربلاء، والمكانة الاجتماعيّة والدينيّة للأششخاص الذين استشهدوا فيها، كان يعتبر البكاء على اُولئك الأشخاص الأعزّاء أمراً لازما ومنطقيّاً من جهة، ومن جهة اُخرى كان يشجّع ويحضّ الآخرين عليه. فقد اعتبر البكاء على الإمام عليه‏السلام وأصحابه الشهداء سبباً للنجاة من العذاب الإلهي والدخول في الجنّة، وفي بحبوحة الأمن الإلهي، ولم يكفّ هو نفسه عن البكاء، حتّى هلاك عبيد اللّه‏ بن زياد والقتلة الآخرين لشهداء كربلاء، بل حتّى نهاية عمره الشريف.

ثانيا: تأسيس أركان العزاء في عهد الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام

۱. عهد الإمام الباقر عليه‏السلام

يختلف عهد الإمام الباقر عليه‏السلام من بعض النواحي عن عهد الإمام زين العابدين عليه‏السلام، فمن جهة كانت حركات التوعية التي قام بها الإمام زين العابدين عليه‏السلام وأصحابه قد

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ سيد محمود الطباطبائي نژاد؛ السيّد روح الله السيّد طبائي؛ تلخیص: مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 14151
صفحه از 895
پرینت  ارسال به