وعلى سبيل المثال، فإنّ أهالي الكوفة عند رؤيتهم اُسارى أهل بيت النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وعند استماعهم إلى الخطب الملحميّة لأهل بيت الرسالة ـ والتي ذكّرتهم بأيّام تواجدهم في الكوفة والذي امتدّ لعدّة سنوات من جانب وأخذت تنشر الوعي والحماس إلى حدٍّ بعيد من جانب آخر ـ وبعد حضور الأسرى في الشام ـ والذي أدّى إلى نشر الوعي وفضح السياسات الاُمويّة، والذي لم يسلم من آثاره من كان في قصر الخلافة أيضا ـ، سمحت الحكومة بإقامة مراسم العزاء لاعتبارات سياسية.

وبالإضافة إلى ذلك فقد أقام موكب السبايا عند عودته من الشام إلى المدينة، مجلس العزاء عند مزار الإمام عليه‏السلام وأصحابه. كما ضجّت المدينة بالبكاء والعويل عند سماع صوت بكاء اُمّ سلمة زوج النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله التي سمعت باستشهاد الإمام الحسين عليه‏السلام في الرؤيا (أو عن طريق التربة التي أودعها النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله لديها، والتي تحوّلت إلى دمٍ استنادا لروايةٍ اُخرى). وعندما ذاع خبر شهادة الإمام عليه‏السلام بشكلٍ رسمي من قبل بني اُميّة في المدينة، حوّلت اُمّ سلمة وأهالي المدينة المدينة إلى كتلة واحدة من المآتم والعزاء، وأقاموا مجالس العزاء، كما أقام بنو هاشم العزاء على سيّد الشهداء، كما جلس للحداد عليه ابن عبّاس ومحمّد بن الحنفيّة،، وبنات عقيل، وجعلت نساء بني هاشم محلاًّ خاصّا للعزاء.

كما ينبغي أن لا ننسى إقامة أهل المدينة العزاء عند عودة أهل بيت النبيّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وعزاء زوجات الإمام عليه‏السلام، وكذلك العزاء الذي أقامته اُمّ البنين لأولادها في البقيع. ويجب أن نضيف إلى كلّ ذلك مراثي وحداد أهل بيت عبد المطّلب، والذي كانوا يقيمونه يوميّاً خلال عام الشهادة في ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه‏السلام حتّى ثلاث أعوام في المدينة، وكان يشارك فيه بعض الصحابة والتابعين أيضا، ولبس أهل بيت الإمام عليه‏السلام ملابسَ الحزن، ومواصلة الأحزان والمآتم حتّى موت ابن زياد، وتعاطف بعض الأصحاب والتابعين معهم ؛ كلّ ذلك خلق أجواء تمخّضت عن نشوء حركة «التوّابين»، حيث بدأوا مسيرتهم باتّجاه الشام ومحاربة قتلة الإمام الحسين عليه‏السلام،

السير التاريخي لمراسم عزاء الإمام الحسين علیه السلا^۱

لا شك ولا ريب انّ فاجعة كربلاء الدموية حادثة عظيمة ومؤثرة في التاريخ الإسلامي، فينبغي السعي من أجل احيائها. وإن اقامة العزاء على شهداء هذه الملحمة هو من أهمّ الخطواتت في هذا السبيل.

والذي يشهده الواقع هو ان البراعم الاولى لإقامة العزاء على سيد الشهداء عليه‏السلام وأصحابه الميامين كانت عند وقوع هذه الحادثة الأليمة، ثم نالت اهتمام الامرار بشكل متوالي حتى اخذت شكلاً خاصّا. فيجدر بنا ان نشير إلى منعطفاتها خلال المقاطع التاريخية المختلفة.

يمكن أن نتناول مراسم العزاء على سيّد الشهداء عليه‏السلام بالدراسة والنقد والتحليل على عدّة مراحل تاريخيّة هي:

المرحلة الاُولى (بعد شهادة الإمام وحتّى هلاك قاتليه)

كان هدف أهل البيت عليهم‏السلام منصبّاً في هذه المرحلة على السعي من أجل إيقاظ الضمائر النائمة، وفتح الأذهان المغلقة، وتحرير الأفكار المكبّلة بالإعلام الواسع لبني اُميّة.