677
منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام

أفواه اُولئك العطاشى).۱

ولكن هل يقتصر تاريخ عاشوراء على هذا الوجه فقط؟ هل هو رثاء ومصيبة فقط وليس شيئاً آخر؟!

هذا هو الخطأ ؛ فإنّ لهذا التاريخ وجهاً آخر أيضاً بطله ليس يزيد بن معاوية، ولا ابن زياد، ولا شمراً، بل بطله الحسين. ولا وجود للجريمة ولا للمأساة في هذا الوجه، بل فيها الملحمة والفخر والنور، وتجلّي الحقيقة والإنسانية، وتجلّي العبودية للّه‏ سبحانه. وعندما ننظر إلى هذا الوجه نقول: إنّ من حقّ البشرية أن تفتخر بنفسها، ولكنّنا عندما نطالع صفحته السوداء نرى البشريّة تطأطئ رأسها وترى نفسها مصداقاً للآية:

«قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ» !۲

ومن المسلّم به أنّ جبرئيل لا يتساءل قائلاً: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ» في مقابل قول اللّه‏ تعالى: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، وإنّما الذي يتساءل هو الملائكة التي كانت لا ترى سوى الوجه الأسود للبشرية، ولم تكن ترى الوجه الآخر، فأجابها اللّه‏ تعالى: «إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».

إنّ تلك الصفحة هي الصفحة التي يعترض بسببها الملائكة، ويكون فيها البشر مُطَأطِئي الرؤوس. وأمّا هذه الصفحة فهي التي تفتخر بها البشرية.

فلماذا يجب أن نطالع حادثة كربلاء من خلال صفحتها السوداء دوماً؟! ولماذا يجب الحديث عن جرائم كربلاء دوماً؟! ولماذا يجب أن ندرس شخصية الحسين بن عليّ من منظار تعرّضه لجريمة المجرمين دائماً؟! ولماذا نستلهم الشعارات التي نهتف بها ونكتبها باسم الحسين بن عليّ من الوجه المظلم لحادثة عاشوراء؟! ولماذا لا نطالع

1.. هذه الجملة تعريبُ بيتٍ بالفارسية من ديوان محتشم الكاشاني ، وأصل البيت هو :

زان تشنگان هنوز به عَيّوق ميرسد فرياد «اَلعَطَش» ز بيابان كربلا

2.. البقرة : ۳۰ .


منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
676

والعزّة والعظمة. ولذلك لايمكننا تحليل هذا الحدث وتبيينه بشكل صحيح إلاّ إذا نظرنا إليهما وقدّمناهما إلى جانب بعضهما البعض، وإلاّ فإنّ المخاطَب سوف لا يُدرك بشكل صحيح هذا الحادث المهمّ في التاريخ الإسلامي.

يقول الاُستاذ المطهّري في هذا المجال:

لحادثة عاشوراء وتاريخ كربلاء وجهان، وجه أبيض ونوراني، ووجه أسود وظلماني، وكلاهما عديما النظير، أو قليلا النظير.

فأمّا الوجه الأسود والمظلم، فإنّه أسود ومظلم لأنّنا لا نرى فيه سوى الجريمة المنقطعة النظير أو القليلة النظير....

فمن وجهة النظر هذه، تعدّ حادثة كربلاء جريمة ومأساة، مصيبة ورثاء. وعندما ننظر إلى هذا الوجه نرى فيه قتل الأبرياء وقتل الشاب، وقتل الطفل الرضيع، كما نرى فيه وط‏ء الخيول بحوافرها أجساد القتلى، ومنع الماء عن العطاشى، وضرب النساء والأطفال بالسياط، وحمل الأسرى على الجمال دون هوادج ووطاء. فمن هذه النظرة من هو البطل في هذه الحادثة؟ من الواضح أنّنا عندما ننظر إلى هذا الحدث من بُعد الجريمة، فإنّ من يتحمّل تلك المصائب والجرائم لا يعدّ بطلاً، وإنّما هو مظلوم. وإنّما البطل في هذه النظرة وهذا البعد هو يزيد بن معاوية، وعبيد اللّه‏ بن زياد، وعمر بن سعد، وشمر بن ذي الجوشن، وخولى، وعدد آخر. ولذلك فنحن حينما نطالع هذه الصفحة السوداء، لا نرى فيها سوى الجريمة ورثاء البشرية! فماذا علينا أن نقول إن أردنا أن ننظم الشعر؟ علينا أن ننظم المراثي، وليس هناك من شيء نقوله سوى نظم المراثي.

علينا أن نقول:

(لا تزال صرخة «العطش» تنطلق من صحراء كربلاء وتصل إلى كوكب العيّوق۱، من

1.. العَيّوق : نجم أحمر مضيء في طرف المجرّة الأيمن ، يتلو الثريّا لا يتقدّمه لسان العرب : ج ۱۰ ص ۲۸۰ «عوق» .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ سيد محمود الطباطبائي نژاد؛ السيّد روح الله السيّد طبائي؛ تلخیص: مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15940
صفحه از 895
پرینت  ارسال به