أفواه اُولئك العطاشى).۱
ولكن هل يقتصر تاريخ عاشوراء على هذا الوجه فقط؟ هل هو رثاء ومصيبة فقط وليس شيئاً آخر؟!
هذا هو الخطأ ؛ فإنّ لهذا التاريخ وجهاً آخر أيضاً بطله ليس يزيد بن معاوية، ولا ابن زياد، ولا شمراً، بل بطله الحسين. ولا وجود للجريمة ولا للمأساة في هذا الوجه، بل فيها الملحمة والفخر والنور، وتجلّي الحقيقة والإنسانية، وتجلّي العبودية للّه سبحانه. وعندما ننظر إلى هذا الوجه نقول: إنّ من حقّ البشرية أن تفتخر بنفسها، ولكنّنا عندما نطالع صفحته السوداء نرى البشريّة تطأطئ رأسها وترى نفسها مصداقاً للآية:
«قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ» !۲
ومن المسلّم به أنّ جبرئيل لا يتساءل قائلاً: «أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ» في مقابل قول اللّه تعالى: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً»، وإنّما الذي يتساءل هو الملائكة التي كانت لا ترى سوى الوجه الأسود للبشرية، ولم تكن ترى الوجه الآخر، فأجابها اللّه تعالى: «إِنِّى أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».
إنّ تلك الصفحة هي الصفحة التي يعترض بسببها الملائكة، ويكون فيها البشر مُطَأطِئي الرؤوس. وأمّا هذه الصفحة فهي التي تفتخر بها البشرية.
فلماذا يجب أن نطالع حادثة كربلاء من خلال صفحتها السوداء دوماً؟! ولماذا يجب الحديث عن جرائم كربلاء دوماً؟! ولماذا يجب أن ندرس شخصية الحسين بن عليّ من منظار تعرّضه لجريمة المجرمين دائماً؟! ولماذا نستلهم الشعارات التي نهتف بها ونكتبها باسم الحسين بن عليّ من الوجه المظلم لحادثة عاشوراء؟! ولماذا لا نطالع