سَماعُ اُذني يَومَئِذٍ مِنَ الحُسَينِ عليهالسلام يَقولُ: قَتَلَ اللّهُ قَوماً قَتَلوكَ يا بُنَيَّ! ما أجرَأَهُم عَلَى الرَّحمنِ، وعَلَى انتِهاكِ حُرمَةِ الرَّسولِ! عَلَى الدُّنيا بَعدَكَ العَفاءُ.
قالَ: وكَأَنّي أنظُرُ إلَى امرَأَةٍ خَرَجَت مُسرِعَةً كَأَنَّهَا الشَّمسُ الطّالِعَةُ تُنادي: يا اُخَيّاه! ويَابنَ اُخَيّاه! قالَ: فَسَأَلتُ عَلَيها، فَقيلَ: هذِهِ زَينَبُ ابنَةُ فاطِمَةَ ابنَةِ رَسولِ اللّهِ صلىاللهعليهوآله، فَجاءَت حَتّى أكَبَّت عَلَيهِ، فَجاءَهَا الحُسَينُ عليهالسلام فَأَخَذَ بِيَدِها فَرَدَّها إلَى الفُسطاطِ.
وأقبَلَ الحُسَينُ عليهالسلام إلَى ابنِهِ، وأقبَلَ فِتيانُهُ إلَيهِ، فَقالَ: اِحمِلوا أخاكُم، فَحَمَلوهُ مِن مَصرَعِهِ حَتّى وَضَعوهُ بَينَ يَدَيِ الفُسطاطِ الَّذي كانوا يُقاتِلونَ أمامَهُ.۱
۴۶۸.الملهوف: فَلَمّا لَم يَبقَ مَعَهُ إلاّ أهلُ بَيتِهِ، خَرَجَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليهالسلام ـ وكانَ مِن أصبَحِ النّاسِ وَجهاً، وأحسَنِهِم خُلُقاً ـ فَاستَأذَنَ أباهُ فِي القِتالِ، فَأذِنَ لَهُ؛ ثُمَّ نَظَرَ إلَيهِ نَظرَةَ آيِسٍ مِنهُ، وأرخى عليهالسلام عَينَيهِ وبَكى.
ثُمَّ قالَ: اللّهُمَّ اشهَد، فَقَد بَرَزَ إلَيهِم غُلامٌ أشبَهُ النّاسِ خَلقاً وخُلُقاً ومَنطِقاً بِرَسولِكَ صلىاللهعليهوآله، وكُنّا إذَا اشتَقنا إلى نَبِيِّكَ نَظَرنا إلَيهِ. فَصاحَ وقالَ: يَا بنَ سَعدٍ، قَطَعَ اللّهُ رَحِمَكَ كَما قَطَعتَ رَحِمي.
فَتَقَدَّمَ نَحوَ القَومِ، فَقاتَلَ قِتالاً شَديداً، وقَتَلَ جَمعاً كَثيراً، ثُمَّ رَجَعَ إلى أبيهِ وقالَ: يا أبَتِ! العَطَشُ قَد قَتَلَني، وثِقلُ الحَديدِ۲ قَد أجهَدَني، فَهَل إلى شَربَةِ ماءٍ مِن سَبيلٍ؟
فَبَكَى الحُسَينُ عليهالسلام وقالَ: واغَوثاه! يا بُنَيَّ مِن أينَ آتي بِالماءِ، قاتِل قَليلاً، فَما أسرَعَ ما تَلقى جَدَّكَ مُحَمَّداً صلىاللهعليهوآله، فَيَسقيكَ بِكَأسِهِ الأَوفى شَربَةً لا تَظمَأُ بَعدَها.