473
منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام

المَنزِلَةَ، فَقُلتُ في نَفسي: لا اُبالي أن اُطيعَ القَومَ في بَعضِ أمرِهِم، ولا يَرَونَ أنّي خَرَجتُ مِن طاعَتِهِم، وأمّا هُم فَسَيَقبَلونَ مِن حُسَينٍ هذِهِ الخِصالَ الَّتي يَعرِضُ عَلَيهِم، ووَاللّهِ لَو ظَنَنتُ أنَّهُم لا يَقبَلونَها مِنكَ ما رَكِبتُها مِنكَ، وإنّي قَد جِئتُكَ تائِبا مِمّا كانَ مِنّي إلى رَبّي، ومُواسِيا لَكَ بِنَفسي حَتّى أموتَ بَينَ يَدَيكَ، أفَتَرى ذلِكَ لي تَوبَةً ؟
قالَ: نَعَم يَتوبُ اللّه‏ُ عَلَيكَ ويَغفِرُ لَكَ، مَا اسمُكَ ؟ قالَ: أنَا الحُرُّ بنُ يَزيدَ.
قالَ: أنتَ الحُرُّ كَما سَمَّتكَ اُمُّكَ، أنتَ الحُرُّ إن شاءَ اللّه‏ُ فِي الدُّنيا وَالآخِرَةِ، انزِل.
قالَ: أنَا لَكَ فارِسا خَيرٌ مِنّي راجِلاً، اُقاتِلُهُم عَلى فَرَسي ساعَةً، وإلَى النُّزولِ ما يَصيرُ آخِرُ أمري، قالَ الحُسَينُ عليه‏السلام: فَاصنَع يَرحَمُكَ اللّه‏ُ ما بَدا لَكَ.
فَاستَقدَمَ أمامَ أصحابِهِ، ثُمَّ قالَ: أيُّهَا القَومُ ! ألا تَقبَلونَ مِن حُسَينٍ خَصلَةً مِن هذِهِ الخِصالِ الَّتي عَرَضَ عَلَيكُم فَيُعافِيَكُمُ اللّه‏ُ مِن حَربِهِ وقِتالِهِ ؟ قالوا: هذَا الأَميرُ عُمَرُ بنُ سَعدٍ فَكَلِّمهُ، فَكَلَّمَهُ بِمِثلِ ما كَلَّمَهُ بِهِ قَبلُ، وبِمِثلِ ما كَلَّمَ بِهِ أصحابَهُ.
قالَ عُمَرُ: قَد حَرَصتُ لَو وَجَدتُ إلى ذلِكَ سَبيلاً فَعَلتُ.
فَقالَ: يا أهلَ الكوفَةِ ! لاُِمِّكُمُ الهَبَلُ۱ وَالعُبرُ۲، إذ دَعَوتُموهُ حَتّى إذا أتاكُم أسلَمتُموهُ، وزَعَمتُم أنَّكُم قاتِلو أنفُسِكُم دونَهُ، ثُمَّ عَدَوتُم عَلَيهِ لِتَقتُلوهُ، أمسَكتُم بِنَفسِهِ، وأخَذتُم بِكَظَمِهِ، وأحَطتُم بِهِ مِن كُلِّ جانِبٍ، فَمَنَعتُموهُ التَّوَجُّهَ في بِلادِ اللّهِ العَريضَةِ حَتّى يَأمَنَ ويَأمَنَ أهلُ بَيتِهِ، وأصبَحَ في أيديكُم كَالأَسيرِ لا يَملِكُ لِنَفسِهِ نَفعا ولا يَدفَعُ ضَرّا، وحَلَأتتُموهُ ونِساءَهُ واُصَيبِيَتَهُ وأصحابَهُ عَن ماءِ الفُراتِ الجارِي، الَّذي يَشرَبُهُ اليَهودِيُّ وَالمَجوسِيُّ وَالنَّصرانِيُّ، وتَمَرَّغُ فيهِ خَنازيرُ السَّوادِ وكِلابُهُ، وهاهُم اُولاءِ قَد صَرَعَهُمُ العَطَشُ، بِئسَما خَلَفتُم مُحَمَّدا في ذُرِّيَّتِهِ، لا سَقاكُمُ اللّه‏ُ يَومَ

1.. الهَبَل : الثُّكل ؛ وهو الموت ، والهلاك ، وفقدان الحبيب راجع : لسان العرب : ج ۱۱ ص ۶۸۶ «هبل» و ص ۸۸ «ثكل» .

2.. العُبر : البكاء بالحُزن ؛ يقال : لاُمّه العُبْر والعَبَر لسان العرب : ج ۴ ص ۵۳۲ «عبر» .


منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
472

قالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ: أما وَاللّهِ لَو كانَ الأَمرُ إلَيَّ لَفَعَلتُ، ولكِنَّ أميرَكَ قَد أبى ذلِكَ.
قالَ: فَأَقبَلَ حَتّى وَقَفَ مِنَ النّاسِ مَوقِفا، ومَعَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ يُقالُ لَهُ: قُرَّةُ بنُ قَيسٍ.
فَقالَ: يا قُرَّةُ ! هَل سَقَيتَ فَرَسَكَ اليَومَ ؟ قالَ: لا، قالَ: إنَّما تُريدُ أن تَسقِيَهُ ؟ قالَ: فَظَنَنتُ وَاللّهِ أَنّهُ يُريدُ أن يَتَنَحّى فَلا يَشهَدَ القِتالَ، وكَرِهَ أن أراهُ حينَ يَصنَعُ ذلِكَ، فَيَخافُ أن أرفَعَهُ عَلَيهِ، فَقُلتُ لَهُ: لَم أسقِهِ، وأنَا مُنطَلِقٌ فَساقيهِ.
قالَ: فَاعتَزَلتُ ذلِكَ المَكانَ الَّذي كانَ فيهِ.
قالَ: فَوَاللّهِ لَو أنَّهُ أطلَعَني عَلَى الَّذي يُريدُ، لَخَرَجتُ مَعَهُ إلَى الحُسَينِ عليه‏السلام.
قالَ: فَأَخَذَ يَدنو مِن حُسَينٍ قَليلاً قَليلاً.
فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِن قَومِهِ يُقالُ لَهُ المُهاجِرُ بنُ أوسٍ: ما تُريدُ يَابنَ يَزيدَ ؟ أتُريدُ أن تَحمِلَ ؟ فَسَكَتَ وأخَذَهُ مِثلُ العُرَواءِ.۱
فَقالَ لَهُ: يَابنَ يَزيدَ ! وَاللّهِ إنَّ أمرَكَ لَمُريبٌ، وَاللّهِ ما رَأَيتُ مِنكَ في مَوقِفٍ قَطُّ مِثلَ شَيءٍ أراهُ الآنَ، ولَو قيلَ لي: مَن أشجَعُ أهلِ الكوفَةِ رَجُلاً ما عَدَوتُكَ، فَما هذَا الَّذي أرى مِنكَ ؟
قالَ: إنّي وَاللّهِ اُخَيِّرُ نَفسي بَينَ الجَنَّةِ وَالنّارِ، ووَاللّهِ لا أختارُ عَلَى الجَنَّةِ شَيئا ولَو قُطِّعتُ وحُرِّقتُ، ثُمَّ ضَرَبَ فَرَسَهُ فَلَحِقَ بِحُسَينٍ عليه‏السلام.
فَقالَ لَهُ: جَعَلَنِي اللّه‏ُ فِداكَ يَابنَ رَسولِ اللّهِ ! أنَا صاحِبُكَ الَّذي حَبَستُكَ عَنِ الرُّجوعِ، وسايَرتُكَ فِي الطَّريقِ، وجَعجَعتُ۲ بِكَ في هذَا المَكانِ، وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ، ما ظَنَنتُ أنَّ القَومَ يَرُدّونَ عَلَيكَ ما عَرَضتَ عَلَيهِم أبَدا، ولا يَبلُغونَ مِنكَ هذِهِ

1.. العُرَواءُ : الرِّعدة ، وهو في الأصل بَردُ الحُمّى النهاية : ج ۳ ص ۲۲۶ «عرا» .

2.. جَعجع بحسين وأصحابه : أي ضيّق عليهم المكان النهاية : ج ۱ ص ۲۷۵ «جعجع» .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ سيد محمود الطباطبائي نژاد؛ السيّد روح الله السيّد طبائي؛ تلخیص: مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 15651
صفحه از 895
پرینت  ارسال به