من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة في موسم الحجّ:
إنّه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنّه عليهالسلام هرب من المدينة ـ خوفا من القتل ـ إلى مكّة، وكذا خرج من مكّة بعدما غلب على ظنّه أنّهم يريدون غيلته وقتله، حتّى لم يتيسّر له ـ فداه نفسي وأبي واُمّي وولدي ـ أن يتمّ حجّه، فتحلّل وخرج منها خائفاً يترقّب، وقد كانوا لعنهم اللّه ضيّقوا عليه جميع الأقطار، ولم يتركوا له موضعاً للفرار.
ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم وولاّه أمر الموسم وأمّره على الحاجّ كلّهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسين عليهالسلام سرّا، وإن لم يتمكّن منه بقتله غيلة، ثم إنّه دسّ مع الحاجّ في تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُمية، وأمرهم بقتل الحسين عليهالسلام على أيّ حالٍ اتّفقَ، فلمّا علم الحسين عليهالسلام بذلك حلّ من إحرام الحجّ، وجعلها عمرةً مفردةً.۱
ولكنّ هذا الكلام لا يمكن الأخذ به للأسسباب التالية:
أوّلاً: إنّ رواية معاوية بن عمّار، وكذلك إبراهيم بن عمير اليماني ـ المعتبرتان من حيث السند ـ تدلاّن بوضوح على أنّ عمرة الإمام الحسين عليهالسلام كانت عمرة مفردة لا عمرة تمتّع، وعلى هذا فإنّ الإمام عليهالسلام لم يكن محرماً أساساً عند خروجه من مكّة، ولم يكن يواجه مشكلة من هذه الناحية، ويفيد نصّ رواية معاوية بن عمار بأنّه سأل الإمام الصادق عليهالسلام:
من أين افترق المتمتّع والمعتمر ؟ فقال:
إنَّ المُتَمَتِّعَ مُرتَبِطٌ بِالحَجِّ، وَالمُعتَمِرُ إذا فَرَغَ مِنها ذَهَبَ حَيثُ شاءَ، وقَدِ اعتَمَرَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليهالسلام في ذِي الحِجَّةِ ثُمَّ راحَ يَومَ التَّروِيَةِ إلَى العِراقِ، وَالنّاسُ يَروحونَ إلى مِنى، ولا بَأسَ بِالعُمرَةِ في ذي الحِجَّةِ لِمَن لا يُريدُ الحَجَّ.۲