341
منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام

من المدينة إلى مكّة، ومن مكّة في موسم الحجّ:

إنّه قد ظهر لك من الأخبار السابقة أنّه عليه‏السلام هرب من المدينة ـ خوفا من القتل ـ إلى مكّة، وكذا خرج من مكّة بعدما غلب على ظنّه أنّهم يريدون غيلته وقتله، حتّى لم يتيسّر له ـ فداه نفسي وأبي واُمّي وولدي ـ أن يتمّ حجّه، فتحلّل وخرج منها خائفاً يترقّب، وقد كانوا لعنهم اللّه‏ ضيّقوا عليه جميع الأقطار، ولم يتركوا له موضعاً للفرار.

ولقد رأيت في بعض الكتب المعتبرة أنّ يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر عظيم وولاّه أمر الموسم وأمّره على الحاجّ كلّهم، وكان قد أوصاه بقبض الحسين عليه‏السلام سرّا، وإن لم يتمكّن منه بقتله غيلة، ثم إنّه دسّ مع الحاجّ في تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني اُمية، وأمرهم بقتل الحسين عليه‏السلام على أيّ حالٍ اتّفقَ، فلمّا علم الحسين عليه‏السلام بذلك حلّ من إحرام الحجّ، وجعلها عمرةً مفردةً.۱

ولكنّ هذا الكلام لا يمكن الأخذ به للأسسباب التالية:

أوّلاً: إنّ رواية معاوية بن عمّار، وكذلك إبراهيم بن عمير اليماني ـ المعتبرتان من حيث السند ـ تدلاّن بوضوح على أنّ عمرة الإمام الحسين عليه‏السلام كانت عمرة مفردة لا عمرة تمتّع، وعلى هذا فإنّ الإمام عليه‏السلام لم يكن محرماً أساساً عند خروجه من مكّة، ولم يكن يواجه مشكلة من هذه الناحية، ويفيد نصّ رواية معاوية بن عمار بأنّه سأل الإمام الصادق عليه‏السلام:

من أين افترق المتمتّع والمعتمر ؟ فقال:

إنَّ المُتَمَتِّعَ مُرتَبِطٌ بِالحَجِّ، وَالمُعتَمِرُ إذا فَرَغَ مِنها ذَهَبَ حَيثُ شاءَ، وقَدِ اعتَمَرَ الحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليه‏السلام في ذِي الحِجَّةِ ثُمَّ راحَ يَومَ التَّروِيَةِ إلَى العِراقِ، وَالنّاسُ يَروحونَ إلى مِنى، ولا بَأسَ بِالعُمرَةِ في ذي الحِجَّةِ لِمَن لا يُريدُ الحَجَّ.۲

1.. بحار الأنوار : ج۴۵ ص ۹۹ .

2.. الكافي : ج ۴ ص ۵۳۵ ح ۴ ، تهذيب الأحكام : ج ۵ ص ۴۳۷ ح ۱۵۱۹ وراجع : ص ۴۳۶ ح ۱۵۱۶ والكافي :ج ۴ ص ۵۳۵ ح ۳ .


منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
340

ملاحظة تاريخية وفقهية حول خروج الإمام من مكة

وفيما يتعلّق بخروج الإمام من مكّة في العشرة الاُولى من ذي الحجّة، هناك ملاحظة تاريخية واُخرى فقهيّة تسترعيان الاهتمام بها:

۱. الملاحظة التاريخية

يبدو أنّ خروج الإمام الحسين عليه‏السلام في العشرة الاُولى من ذي الحجّة متّفق عليه بين المؤرّخين، ولكنّ هناك اختلافاً بشأن التاريخ الدقيق لخروج الإمام عليه‏السلام، فقد رويت أيّام مختلفة لخروجه، وهي: اليوم الثالث، اليوم السابع۱، اليوم الثامن۲ واليوم التاسع۳ من شهر ذي الحجّة، ولكنّ الأشهَر والأصحّ أنّ الإمام خرج من مكّة في يوم التروية ؛ أي الثامن من ذي الحجّة، والرواية الصحيحة التي نقلها معاوية بن عمّار عن الإمام الصادق عليه‏السلام تؤيّد هذا الرأي.

۲. الملاحظة الفقهية

اشتهر أنّ الإمام الحسين عليه‏السلام غيّر في يوم التروية حَجّه إلى العمرة وخرج من مكّة، ويبدو أنّ المصدر الرئيس لهذه الشهرة هو ما ذكره بعض أرباب المقاتل وأصحاب السير،۴ ومن جملتهم العلاّمة المجلسي رحمه‏الله، حيث قال في بيان سبب خروج الإمام

1.. الكافي : ج۴ ص۵۳۵ ح۳ ، تذكرة الخواصّ : ص۲۴۰ .

2.. راجع : ص۲۹۹ و ۳۰۰ ح۱۳۹۷ ـ ۱۴۰۲ .

3.. أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۷۱ .

4.. في الإرشاد : لمّا أراد الحسين عليه‏السلام التوجّه إلى العراق ، طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ، وأحلّ من إحرامه وجعلها عمرة ؛ لأنّه لم يتمكّن من تمام الحجّ (راجع : الإرشاد : ج ۲ ص ۶۷ و إعلام الورى : ج ۱ ص ۴۴۵ و روضة الواعظين : ص ۱۹۶ و مثير الأحزان : ص ۳۸ و ص ۴۰) .

تعداد بازدید : 14840
صفحه از 895
پرینت  ارسال به