335
منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام

وأمّا أنتَ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، فَإِنَّكَ رَأسُ الفَخارِ بِرَسولِ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، وَابنُ نَظيرَةِ البَتولِ۱، فَلا تَظُنَّ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أنَّ اللّهَ غافِلٌ عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ، وأنَا أشهَدُ أنَّ مَن رَغِبَ عَن مُجاوَرَتِكَ، وطَمِعَ في مُحارَبَتِكَ ومُحارَبَةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، فَما لَهُ مِن خَلاقٍ.
فَقالَ الحُسَينُ عليه‏السلام: اللّهُمَّ اشهَد ! فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: جُعِلتُ فِداكَ يَا بنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ ! كَأَنَّكَ تُريدُني إلى نَفسِكَ، وتُريدُ مِنّي أن أنصُرَكَ ! وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ، أن لَو ضَرَبتُ بَينَ يَدَيكَ بِسَيفي هذا حَتّى انخَلَعَ جَميعا مِن كَفّي، لَما كُنتُ مِمَّن اُوفي مِن حَقِّكَ عُشرَ العُشرِ، وها أنَا بَينَ يَدَيكَ، مُرني بِأَمرِكَ.
فَقالَ ابنُ عُمَرَ: مَهلاً ! ذَرنا مِن هذا يَا بنَ عَبّاسٍ. قالَ: ثُمَّ أقبَلَ ابنُ عُمَرَ عَلَى الحُسَينِ عليه‏السلام، فَقالَ: أبا عَبدِ اللّهِ، مَهلاً عَمّا قَد عَزَمتَ عَلَيهِ، وَارجِع مِن هُنا إلَى المَدينَةِ، وَادخُل في صُلحِ القَومِ، ولا تَغِب عَن وَطَنِكَ وحَرَمِ جَدِّكَ رَسولِ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله، ولا تَجعَل لِهؤُلاءِ الَّذينَ لا خَلاقَ لَهُم عَلى نَفسِكَ حُجَّةً وسَبيلاً، وإن أحببَتَ ألاّ تُبايِعَ فَأَنتَ مَتروكٌ حَتّى تَرى بِرَأيِكَ، فَإِنَّ يَزيدَ بنَ مُعاوِيَةَ عَسى ألاّ يَعيشَ إلاّ قَليلاً، فَيَكفِيَكَ اللّه‏ُ أمرَهُ.
فَقالَ الحُسَينُ عليه‏السلام: اُفٍّ لِهذَا الكَلامِ أبَدا مادامَتِ السَّماواتُ وَالأَرضُ، أسأَلُكَ بِاللّهِ يا عَبدَ اللّهِ، أنَا عِندَكَ عَلى خَطَأٍ مِن أمري هذا ؟ فَإِن كُنتُ عِندَكَ عَلى خَطَأٍ فَرُدَّني، فَإِنّي أخضَعُ وأسمَعُ واُطيعُ.
فَقالَ ابنُ عُمَرَ: اللّهُمَّ لا، ولَم يَكُنِ اللّه‏ُ تَعالى يَجعَلُ ابنَ بِنتِ رَسولِهِ عَلى خَطَأٍ، ولَيسَ مِثلُكَ مِن طَهارَتِهِ وصَفوَتِهِ مِنَ الرَّسولِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله عَلى مِثلِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ بِاسمِ الخِلافَةِ، ولكن أخشى أن يُضرَبَ وَجهُكَ هذَا الحَسَنُ الجَميلُ بِالسُّيوفِ، وتَرى مِن

1.. المقصود هنا فاطمة عليهاالسلام ، والمقصود بالبتول مريم العذراء عليهاالسلام .


منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
334

وأنَا اُشيرُ عَلَيكَ أن تَدخُلَ في صُلحِ ما دَخَلَ فيهِ النّاسُ، وَاصبِر كَما صَبَرتَ لِمُعاوِيَةَ مِن قَبلُ، فَلَعَلَّ اللّهَ أن يَحكُمَ بَينَكَ وبَينَ القَومِ الظّالِمينَ.
فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه‏السلام: أبا عَبدِ الرَّحمنِ ! أنَا اُبايِعُ يَزيدَ وأدخُلُ في صُلحِهِ ! وقَد قالَ النَّبِيُّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله فيهِ وفي أبيهِ ما قالَ؟!
فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: صَدَقتَ أبا عَبدِ اللّهِ ! قالَ النَّبِيُّ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله في حَياتِهِ: «ما لي ولِيَزيدَ ؟ لا بارَكَ اللّه‏ُ في يَزيدَ ! وإنَّهُ يَقتُلُ وَلَدِي ووَلَدَ ابنَتِيَ الحُسَينَ، وَالَّذي نَفسي بِيَدِهِ، لا يُقتَلُ وَلَدي بَينَ ظَهرانَي قَومٍ فَلا يَمنَعونَهُ، إلاّ خالَفَ اللّه‏ُ بَينَ قُلوبِهِم وألسِنَتِهِم».
ثُمَّ بَكَى ابنُ عَبّاسٍ، وبَكى مَعَهُ الحُسَينُ عليه‏السلام، وقالَ: يَا بنَ عَبّاسٍ، تَعلَمُ أنِّي ابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله ؟ فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: اللّهُمَّ نَعَم، نَعلَمُ ونَعرِفُ أنَّ ما فِي الدُّنيا أحَدٌ هُوَ ابنُ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله غَيرُكَ، وأنَّ نَصرَكَ لَفَرضٌ عَلى هذِهِ الاُمَّةِ، كَفَريضَةِ الصَّلاةِ وَالزَّكاةِ الَّتي لا يُقدَرُ أن يُقبَلَ أحَدُهُما دونَ الاُخرى.
قالَ الحُسَينُ عليه‏السلام: يَابنَ عَبّاسٍ، فَماتَقولُ في قَومٍ أخرَجُوا ابنَ بِنتِ رَسولِ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله مِن دارِهِ وقَرارِهِ، ومَولِدِهِ وحَرَمِ رَسولِهِ، ومُجاوَرَةِ قَبرِهِ ومَولِدِهِ، ومَسجِدِهِ ومَوضِعِ مُهاجَرِهِ، فَتَرَكوهُ خائِفا مَرعوبا لا يَستَقِرُّ في قَرارٍ، ولا يأوي في مَوطِنٍ، يُريدونَ في ذلِكَ قَتلَهُ وسَفكَ دَمِهِ، وهُوَ لَم يُشرِك بِاللّهِ شَيئا، ولاَ اتَّخَذَ مِن دونِهِ وَلِيّا، ولَم يَتَغَيَّر عَمّا كانَ عَلَيهِ رَسولُ اللّهِ صلى‏الله‏عليه‏و‏آله وَالخُلَفاءُ مِن بَعدِهِ ؟
فَقالَ ابنُ عَبّاسٍ: ما أقولُ فيهِم إلاّ «أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِى وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلَوةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى»۱«يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً * مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَ لِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُو سَبِيلاً»۲ وعَلى مِثلِ هؤُلاءِ تَنزِلُ البَطشَةُ الكُبرى.

1.. التوبة : ۵۴ .

2.. النساء : ۱۴۲ و ۱۴۳ .

  • نام منبع :
    منتخب موسوعة الامام الحسین علیه السّلام
    سایر پدیدآورندگان :
    محمّد الرّي‌شهري؛ سيد محمود الطباطبائي نژاد؛ السيّد روح الله السيّد طبائي؛ تلخیص: مرتضي خوش نصيب
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1390
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 16210
صفحه از 895
پرینت  ارسال به