فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليهالسلام: يَا بنَ عَمِّ، إنّي وَاللّهِ لَأَعلَمُ أنَّكَ ناصِحٌ مُشفِقٌ، ولكِنّي قَد أزمَعتُ وأجمَعتُ عَلَى المَسيرِ. فَقالَ لَهُ ابنُ عَبّاسٍ: فَإِن كُنتَ سائِرا فَلا تَسِر بِنِسائِكَ وصِبيَتِكَ، فَوَاللّهِ إنّي لَخائِفٌ أن تُقتَلَ كَما قُتِلَ عُثمانُ، ونِساؤُهُ ووُلدُهُ يَنظُرونَ إلَيهِ...
وَاللّهِ الَّذي لا إلهَ إلاّ هُوَ، لَو أعلَمُ أنَّكَ إذا أخَذتُ بِشَعرِكَ وناصِيَتِكَ حَتّى يَجتَمِعَ عَلَيَّ وعَلَيكَ النّاسُ أطَعتَني، لَفَعَلتُ ذلِكَ.۱
۳۵۶.الفتوح: دَخَلَ الحُسَينُ عليهالسلام إلى مَكَّةَ، فَفَرِحَ بِهِ أهلُها فَرَحا شَديدا، قالَ: وجَعَلوا يَختَلِفونَ إلَيهِ بُكرَةً وعَشِيَّةً، وَاشتَدَّ ذلِكَ عَلى عَبدِ اللّهِ بنِ الزُّبَيرِ ؛ لِأَنَّهُ قَد كانَ طَمِعَ أن يُبايِعَهُ أهلُ مَكَّةَ، فَلَمّا قَدِمَ الحُسَينُ عليهالسلام شَقَّ ذلِكَ عَلَيهِ، غَيرَ أنَّهُ لا يُبدي ما في قَلبِهِ إلَى الحُسَين عليهالسلام، لكِنَّهُ يَختَلِفُ إلَيهِ ويُصَلّي بِصَلاتِهِ، ويَقعُدُ عِندَهُ ويَسمَعُ مِن حَديثِهِ، و هُوَ مَعَ ذلِكَ يَعلَمُ أنَّهُ لا يُبايِعُهُ أحَدٌ مِن أهلِ مَكَّةَ وَالحُسَينُ بنُ عَلِيٍّ عليهالسلام بِها ؛ لِأَنَّ الحُسَينُ عليهالسلام عِندَهُم أعظَمُ في أنفُسِهِم مِنِ ابنِ الزُّبَيرِ.
قالَ: وبَلَغَ ذلِكَ أهلَ الكوفَةِ أنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ عليهالسلام قَد صارَ إلى مَكَّةَ. وأقامَ الحُسَينُ عليهالسلام بِمَكَّةَ باقِيَ شَهرِ شَعبانَ ورَمَضانَ وشَوّالَ وذِي القِعدَةِ.
قالَ: وبِمَكَّةَ يَومَئِذٍ عَبدُ اللّهِ بنُ عَبّاسٍ و عَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ، فَأَقبَلا جَميعا حَتّى دَخَلا عَلَى الحُسَينِ عليهالسلام، وقَد عَزَما عَلى أن يَنصَرِفا إلَى المَدينَةِ، فَقالَ لَهُ ابنُ عُمَرَ: أبا عَبدِ اللّهِ رَحِمَكَ اللّهُ، اِتَّقِ اللّهَ الَّذي إلَيهِ مَعادُكَ، فَقَد عَرَفتَ مِن عَداوَةِ أهلِ هذَا البَيتِ لَكُم، وظُلمَهُم إيّاكُم، وقَد وَلِيَ النّاسَ هذَا الرُّجُلُ يَزيدُ بنُ مُعاوِيَةَ، ولَستُ آمَنُ أن يَميلَ النّاسُ إلَيهِ لِمَكانِ هذِهِ الصَّفراءِ وَالبَيضاءِ، فَيَقتُلونَكَ ويَهلِكُ فيكَ بَشَرٌ كَثيرٌ ؛ فَإِنّي قَد سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلىاللهعليهوآله وهُوَ يَقولُ: «حُسَينٌ مَقتولٌ، ولَئِن قَتَلوهُ وخَذَلوهُ ولَن يَنصُروهُ، لَيَخذُلُهُمُ اللّهُ إلى يَومِ القِيامَةِ».