القَومِ أسيرٌ، لا يَرى أن تَمشِيَ حَتّى تُقتَلَ۱، وهُوَ يَقولُ: اِرجِع بِأَهلِ بَيتِكَ، ولا يَغُرُّكَ أهلُ الكوفَةِ، فَإِنَّهُم أصحابُ أبيكَ الَّذي كانَ يَتَمَنّى فِراقَهُم بِالمَوتِ أوِ القَتلِ، إنَّ أهلَ الكوفَةِ قَد كَذَّبوكَ، وكَذَّبوني، ولَيسَ لِمُكَذَّبٍ رَأيٌ.
فَقالَ ابنُ الأَشعَثِ: وَاللّهِ لَأَفعَلَنَّ، ولاَُعلِمَنَّ ابنَ زِيادٍ أنّي قَد آمَنتُكَ.
قالَ أبو مِخنَفٍ: فَحَدَّثَني جَعفَرُ بنُ حُذَيفَةَ الطّائِيُّ... قالَ: دَعا مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ إياسَ بنَ العَثِلِ الطائِيَّ، مِن بَني مالِكِ بنِ عَمرِو بنِ ثُمامَةَ، وكانَ شاعِرا، وكانَ لِمُحَمَّدٍ زَوّارا، فَقالَ لَهُ: اِلقَ حُسَينا فَأَبلِغهُ هذَا الكِتابَ، وكَتَبَ فيهِ الَّذي أمَرَهُ ابنُ عَقيلٍ.
وقالَ لَهُ: هذا زادُكَ وجَهازُكَ ومُتعَةٌ لِعِيالِكَ، فَقالَ: مِن أينَ لي بِراحِلَةٍ ؟ فَإِنَّ راحِلَتي قَد أنضَيتُها۲، قالَ: هذِهِ راحِلَةٌ فَاركَبها بِرَحلِها، ثُمَّ خَرَجَ فَاستَقبَلَهُ بِزُبالَةَ۳ لِأَربَعِ لَيالٍ، فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ، وبَلَّغَهُ الرِّسالَةَ، فَقالَ لَهُ حُسينٌ عليهالسلام: كُلُّ ما حُمَّ۴ نازِلٌ، وعِندَ اللّهِ نَحتَسِبُ أنفُسَنا، وفَسادَ اُمَّتِنا.۵
ملاحظة
رغم أنّ سلوك ابن الأشعث وابن سعد كان في الظاهر هو العمل بوصية مسلم عليهالسلام وإيصال رسالته إلى الإمام الحسين عليهالسلام إلاّ أنّ من البديهي أنّ هدفهما الرئيس كان هو الحيلولة دون مجيء الإمام إلى الكوفة ومنع وصوله إلى مركز الثورة، أي الكوفة، ولذلك فعندما واصل الإمام طريقه باتجاه الكوفة خلافاً لتوصية مسلم عليهالسلام، فقد سدا الطريق عليه وقتلاه هو وأصحابه في كربلاء.
1.. في الإرشاد وإعلام الورى : «لا يرى أن يمشيَ حتّى يُقتل» .
2.. أنضى فلان بعيره : أي هَزَلَه الصحاح : ج ۶ ص ۲۵۱۱ «نضا» .
3.. زُبالة : منزل معروف بطريق مكّة من الكوفة معجم البلدان : ج ۳ ص ۱۲۹ .
4.. حُمَّ الأمرُ حَمّا : قُضي القاموس المحيط : ج ۴ ص ۱۰۰ «حمّ» .
5.. تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۳۷۴ .